أمن ليبيا هو امتداد للأمن القومي المصري.. هذه هي الحقيقة المُمتدة على مدار التاريخ ولا يُمكن لأحد أن يُشكك بها فيما ظهرت بعض الأطراف مؤخرًا مُحاولة إعطاء الحق لمن لا حق له حيث النظام التركي الذي ارتمت في أحضانه إحدى الأطراف المُتصارعة في ليبيا حيث حكومة السراج الذي ارتضى لبلاده أن تحتلها قوات أجنبية لتحقيق مصالح وأهداف جماعة الإخوان الإرهابية وأطماعها في المنطقة بالتعاون مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
يأتي هذا في الوقت الذي تعمل فيه مصر بكل بقوتها لحماية المصالح الليبية والسعي لإنهاء الصراع الذي يؤثر سلبًا على شعبها واستقراره، وهو الدور الذي طالما اعتادت الإدارة المصرية القيام به لحماية أمن واستقرار الوطن العربي، فأمن مصر من أمن أشقاءها. وأعلن الرئيس عبدالفتاح السيسي السبت الماضي مبادرة بعنوان "إعلان القاهرة" والتي تسعى للوصول إلى تسوية للأزمة الليبية وضمان وحدة وسلامة المؤسسات الليبية الوطنية واستقرار وأمن الشعب الليبي.
ابراهيم بهزاد
المبادرة لاقت ترحيبًا من أطراف مُختلفة سواء على الصعيد الغربي أو العربي والخليجي، ولعل الأشقاء الخليجيين أبرزوا تأييدًا واضحًا من خلال حساباتهم الرسمية على السوشيال ميديا وأيضًا تصريحات إعلامية في برامج ونشرات إخبارية مختلفة، مع التأكيد على أحقية مصر في حماية أمنها القومي من خلال حماية حدودها مع الدولة الليبية ومن ثم أحقيتها بالتدخل في الملف الليبي بعد أن ظهرت الأطماع الأردوغانية في منطقة الشمال الإفريقي العربي بشكل واضح خلال الآونة الأخيرة.
أستاذ الإعلام السياسي، بجامعة الإمام بالسعودية، د.عبدالله العساف أشاد بالمبادرة المصرية مشيرًا في تصريحاته لـ"اليوم السابع" أنها تحمل في طياتها خريطة طريق لحل الأزمة الليبية وأن الدول المُحبة للسلام رحبت بها، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، إذ تم التأكيد على أن إعلان القاهرة يجب أن تكون المنتدى الرئيسي لتقرير مستقبل ليبيا انطلاقًا من ميثاق جامعة الدول العربية وقال: "اعلان القاهرة جاء شاملًا ومكملًا لمخرجات مؤتمر ميونخ بشأن ليبيا وقرار الأمم المتحدة 2510 حيث تتكامل لتصبح بمثابة أساسٍ لمفاوضات طال انتظارها بين الطرفين المتناحرين في ليبيا فقط دون بقية الأطراف الأجنبية المعتدية في ليبيا والمتمثلة بالاعتداء التركي بالأصالة أو الوكالة، ويجب استنطاق التاريخ ليخبرنا أن ليبيا حتى زمن الاستعمار التركي، والمتلبس بعباءة «الخلافة» لم تخضع خلاله لسلطة الباب العالي، وكانت دائمة التمرد على هذه السلطة، ولا يوجد في ليبيا معالم حضارية على زمن الاستعمار التركي بل الموجود مقابر الأتراك المحتلين للأرض العربية وهذا ما يتذرع به الإخوان للتبرير للاعتداء التركي على دولة عربية مسلمة عضو في الأمم المتحدة وفي الجامعة العربية وأمنها واستقراراها جزء من الأمن العربي المشترك، ولكن إخوان أردوغان في كل واد يهمون ويسوقون لخليفتهم وإمامهم دون وازع أو رادع من دين أو قيم أوعروبة، وفي محاولة للتقليل من أهمية إعلان القاهرة الذي يحمل رسالة قوية موجهة لحكومة أردوغان التي زجت بقوات تركية وإرهابيين مرتزقة نقلتهم إلى ليبيا من الأراضي التي تخضع لسيطرتها في سوريا في دعم مباشر لحكومة السراج والمليشيات التابعة لها".
عبد الله العساف
وأضاف "العساف أن "هذا الدعم الإخواني لتركيا لتغيير المعادلة الراهنة لصالح فايز السراج والتنظيمات الإرهابية، وهو ما ينعكس بوضوح من خلال دور الإعلام المعادي وتأييده الأعمى لتركيا؛ يُعد منتهي الخيانة الوطنية ونموذج لن يتكرر في الانتهازية السياسية والإعلامية ويكشف للعالم العربي حجم خيانة الجماعة وقنواتها للشعوب العربية".
من جانبه يرى الناشط الإماراتي إبراهيم بهزاد أن التدخل أو ما أسماه بالغزو التركي لليبيا ذو أطماع معينة يحاول من خلالها أردوغان استرجاع الارث الاستعماري للدولة العثمانية والعمل على استغلال موارد ليبيا النفطية لحساب تركيا وأن هذا الأمر بات واضحًا ولا يخفى على أحد.
فهد الشليمى
وقال في تصريحاته لـ"اليوم السابع" أن "مصر التي تحارب الإرهاب في الداخل لن تسمح بوجود مصادر أخرى للإرهاب على حدودها ولاسيما من خلال الجهة الغربية حيث أصبحت بعض المناطق في ليبيا حاضنة للجماعات الإرهابية العابرة للحدود والتي تم جلبها من سوريا وتركيا برحلات منظمة أشرفت عليها حكومة أردوغان وبتمويل من قطر والهدف منها المساس بأمن مصر واستقرارها". وأشار "بهزاد" إلى أن الدعم الإعلامي من قِبل قناة الجزيرة القطرية وقنوات الإخوان واللجان الإلكترونية الإخوانية في السوشيال ميديا واضح جليًا ويكشف التحرك التركي ومحاولاتهم لتحسين بشاعة الغزو التركي لبلد عربي بحجج واهية ومبررات كاذبة وشعارات زائفة، على حد تعبيره.
وأعرب الناشط الإماراتي العاشق لمصر عن تقديره الشديد للموقف المصري الرسمي والذي لاقى استحسان المجتمع الدولي بالدعوة لإنهاء الأزمة الليبية بالطرق السياسية عبر إعلان القاهرة، قائلًا: "تبقى مصر هي الأساس القوي والتاريخي لحفظ أمن المنطقة العربية واستقرارها.. مصر التي تواجه الإرهاب المنظم ضدها بكل قوة وشجاعة لن تسمح بتهديد أمنها القومي وهذا حق مشروع ولن تقبل أبدًا بأن تكون الحدود الليبية بؤرة للإرهاب وتصديره إلى الداخل في مصر، حيث أثبتت الأحداث السابقة بتنفيذ عمليات إرهابية خسيسة كان يتم التخطيط لها من قِبل الجماعات الإرهابية في ليبيا وعبر حدودها للإضرار بأمن مصر واستقرارها". وتابع بأن "الرئيس التركي أردوغان يبدو أنه قد أصابه الغرور وأفقده توازنه ويعيش أحلام الخلافة المزعومة، ولكن هناك في مصر من سيجعله يندم ويخسر ويتحسر.. تحيا مصر برئيسها وجيشها ورجال أمنها وشعبها الذي يقف صفًا واحدًا مع قيادته".
في سياق مُتصل ألقى الخبير الأمني والاستراتيجي الكويتي د.فهد الشليمي اللّوم على المجتمع الدولي، مُتهمًا إياه بالتواطؤ ضد الجيش الليبي الوطني ومُحاولة الضغط على مصر، وأوضح في تصريحاته لـ"اليوم السابع" رؤيته بأن "هناك دعم قوي كبير وتواطؤ دولي أيضًا بدليل أن الذي يقوم بعمليات هجومية عليه أن يصل بقواته إلى 3 أضعاف الخصم فيما كان هناك تعزيز كبير ودعم بإمكانيات وطيران مُساند ومدفعيات ودفاع جوي وأجهزة تصنت استخبارية وغيرها، ما أدى إلى القيام بعمليات عدائية ضد الجيش الوطني الليبي وتغيير موازين القوى، وأصبح الجيش الوطني إما أن يُقاتل وبالتالي يتعرض لخسائر أو أن يخسر أرض في مقابل التفاوض على السلام لاحقًا". وقال: "أرى أن المجتمع الدولي يُدين ولكنه لا يُقدم خطوات حقيقية لمعاقبة الأتراك أو لمعاقبة حكومة الوفاق، والإدارة التركية تعلم تمامًا أنها بسيطرتها مع حكومة الوفاق على المنابع النفطية وكثير من المناطق سيكون لها اليد الطولى في المفاوضات التي قد تكون موجودة بعد أسبوعين وبالتالي هم يُريدون أن يحصلون عن مساحة كبيرة من الأراضي والمدن الليبية لكي يكونوا في مكانة أفضل تفاوضيًا سياسيًا وعسكريًا وشعبيًا". وأضاف أننا "نُشاهد تشدُد حكومة الوفاق التي كانت قبل شهر ونص تريد وقف إطلاق النار لكن إنهال الدعم التركي وبدون محاسبة أوروبية على الرغم من المخالفة لقرار مجلس الأمن، والتدخل التركي الواضح حيث أن حكومة الوفاق كانت لا يُسمح لها بشنّ عمليات عسكرية هجومية، فيما أن الحكومة التركية دعت الوفاق بحكم أن لهم مصالح بها وطمعًا في نفط وغاز ليبيا وأيضًا في موقف سياسي ليبي؛ للدخول على أقطار ودول شمال إفريقيا والعربية مثل تونس والجزائر والمغرب كتكتيك مُشابه للتكتيك الإيراني".
ووصف "الشليمي" إعلان القاهرة بالخطوة الذكية، فبها صعدّت مصر الموقف سياسيًا ودبلوماسيًا وبدأت في التحرك الفعلي، ما دفع بدائرة المفاوضات إلى أن تنشط مُجددًا وهو أمر جدًا هام إلى جانب تأمين الحدود المصرية، بحسب ما أورده، مُضيفًا أن "استقرار ليبيا هام جدًا لمصر لذلك الموقف الآن خطر على مصر وبالتالي من الطبيعي أن تتحرك لحماية أمنها القومي وأن تضع حزامًا أمنيًا لها لحماية الحدود المشتركة".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة