لم يكن محفوظ عبد الرحمن يوما اسما تقليديا بين كتاب جيله، لكنه كان صاحب بصمة درامية وأدبية، وكان له رحلة طويلة من العطاء خلال مشواره، فهو مبدع حقيقى يمتلك زمام الكلمات، عاشق للتاريخ ومؤمن بالمبادئ الأصيلة، حالة فريدة من الإنسانية قدم أروع وأرقى الأعمال الدرامية التى ترتقى بالوجدان وتنمى روح الوطنية ومعانى الانتماء والولاء للوطن، فعندما رحل عن عالمنا رحل بجسده فقط وبقيت أعماله ومسيرته الفنية خالدة.
عرف محفوظ عبد الرحمن بولعه وعشقه لقناة السويس، ويرجع السبب فى ذلك عندما كان يعمل فى دار الوثائق عثر على وثائق قناة السويس، وقرأ عنها كثيرا، وآمن بأن حفر قناة السويس كان حدثا تاريخيا محوريا في التاريخ المصرى، حيث علت أصوات السخرة فوق ظهور مئات ألوف الفلاحين ولقى معظمهم حتفه، ومن هنا قرر أن يكتب قصتها وكتب مسلسل "بوابة الحلوانى"، وكذلك فيلم "ناصر 56".
يكاد يكون مسلسل "بوابة الحلواني" قد اقترب كثيرا من ذلك الحدث الحاسم فى تاريخ مصر ، فعندما قرر كتابته الراحل محفوظ عبد الرحمن هبط لمدينة بورسعيد واشترى هناك شقة، فكان دائما يحب أن يعمل معايشة للمكان الذي يكتب عنه، وقد عرض من خلال المسلسل أسرة الحلواني بقرية الفرما، التي صارت مدينة بور سعيد حفر قناة السويس محاولا تسليط الضوء على نواح من الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للحقبة الزمنية. ينقل مسلسل "بوابة الحلواني" صورة شبيهة بالواقع ليوميات المجتمع المصري خلال بدايات القرن، بما في ذلك تداخل الطموحات السياسية والاقتصادية للأفراد، وكذلك الصراعات القائمة من أجل إقصاء الآخر والاستفراد بالهيبة والسلطة.
وبنفس الروح كتب "ناصر 56" وكأنه استطراد لبوابة الحلوانى، فكان يؤمن أن تأمين القناة لم يكن مجرد قرار لعبد الناصر بل رد إعتبار لكل المصريين ، وقد إستعد لهذه التجربة بالعديد من المراجع والوثائق والشخصيات وأستطاع من خلال الفيلم أن يوثق بدقة هذه الفترة الزمنية ، وتعد من أجمل مشاهد الفيلم عندما ذهبت سيدة فلاحة بسيطة تدعي " ام مصطفي " لمقابلة جمال عبد الناصر وهي تحمل ملابس جدها وقالت له "اليوم أخذت بثأر جدى" وكان جدها مواطنا بسيطا مات أثناء حفر القناة في ظروف قاسية، وتعد هذه الفلاحة تجسيد لشعور المصريين إتجاه قرار تأميم القناة والذي أصدره جمال عبد الناصر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة