فى عام 2003 كانت دار الإفتاء المصرية تستقبل إماما جديدا لها، انتقلت معه لمرحلة أهم في تاريخها محليا وعالميا، إنه الدكتور على جمعة مفتى مصر الأسبق وواحد من أهم علماء عصره الذي يراه كثيرون "المجدد" لهذا العصر.
ما الذى يريده أي شخص من الإمام أو الشيخ؟، أو قل ما الذى يجب أن يكون عليه شخص ليكون إمامًا أو عالمًا فى الدين؟، إجابة هذين السؤالين قد تأخذك إلى اكتشاف نقاط عديدة فى أزمة الدعاة والمشايخ ورجال الدين، لكنها أيضًا ستأخذك إلى واحد من أهم الحلول، لكننا سنؤخر الإجابة قليلاً.
500 ألف فتوى كل عام، فروع للدار بالمحافظات، استحداث لإدارات وجوانب جديدة للفتوى، تدريب وتخريج دفعات جديدة من أمناء الفتوى، تطوير تكنولوجى وتدريب على أمور الدنيا قبل الدين، اشتباك وتفاعل مع كل الأحداث، بما فيها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، 10 سنوات تحت قيادة الدكتور على جمعة حمت فيها دار الإفتاء صحيح الدين، وعرّفت المصريين على عالم سيكون اسمه بعد ذلك، معروفا لكل طالب فتوى أو علم فى مصر وخارجها.
يتصف الدكتور علي جمعة، بصفات علماء الدين الأهم فى التاريخ الإسلامي، يجمع بين علوم الدين والدنيا، يتحدث فى الفقه والمذاهب وكأنه حامى التراث، ويتحدث فى الواقع وشئونه وكأنه عدو النقل، فهو ابن الأسرة الريفية المولود عام 1952، وابن المجتمع الحضارى الذى سافر أغلب الدول، واطلع على كل الحضارات.
التحق بجامعة الأزهر الشريف وتخرَّج من كلية الدراسات الإسلامية والعربية في سنة 1979 م، وحصل على ماجستير أصول الفقه من كلية الشريعة والقانون، في سنة 1985 م بدرجة ممتاز، ودكتوراه في أصول الفقه من كلية الشريعة والقانون، والدكتوراه الفخرية من جامعات أسيوط، وبني سويف.
حافظ التراث ومجدد الفتاوى، وصاحب النصيب الأكبر من الفتاوى الصادمة، ليس لأنها صادمة، بل لأن المجتمع لم يكن فى أوقات كثيرة مهيأ لتلقيها، فهو من أفتى بعدم فرضية النقاب، وأفتى بجواز معاملات البنوك، وأفتى بعدم حرمة الماكياج والوشم الحديث "بشروط"، وهو من تعلم فنون السياسة والرياضيات والفلسفة والاقتصاد والقانون، ليكون عالمًا قبل أن يكون معلمًا أو مفتيًا.
فكان على سبيل المثال، هو أول من أدخل الفتاوى الإلكترونية لمؤسسة دار الإفتاء لتصبح بعد ذلك، أهم منبر للتواصل وخدمة الناس والدين، ودعا إلى تأدية الزكاة فى سبل البحث العلمى، وخاض معارك طويلة ضد الأفكار والفتاوى، المتطرفة وجماعات التكفير والإرهاب.
كانت آراؤه فى أوقات كثيرة بابًا للهجوم عليه، من المتطرفين والمتشددين والمتحزبين، لكنها كانت فى رأى الأغلبية، إنقاذًا للدين وللناس من مخالب النقل والحفظ والتشدد، إلى براح إعمال العقل وإنزال الأحكام والقياس.
يقول عنه مؤلف كتاب "المجدد"، إن على جمعة تجتمع فيه صفات المجدد الذى قال عنه الرسول الكريم، إنه يأتى على رأس كل 100 عام، فمنحته جامعة ليفربول الدكتوراه الفخرية كأحد أهم الشخصيات فى نشر التسامح على مستوى العالم، واختير ضمن أكثر خمسين شخصية مسلمة تأثيرًا في العالم لأحد عشر عامًا على التوالي من (2009 - 2019 ) حسب تقييم المركز الملكي للبحوث والدراسات الإسلامية بعمّان في الأردن.
على جمعة المتصوف، شيخ الطريقة الصديقية الشاذلية، لم يجلس فى محرابه ليتعبد بعد ترك منصبه، بل خرج إلى المجتمع يسافر فى كل المحافظات والقرى، يعلم الناس فى مجالسه، ويزرع العمل الخيرى بمبادرات ومؤسسات، بعضها أسسها بنفسه، وأخرى دُعى إليها فجمع بين العلم والعمل والدين والدنيا والتراث والتجديد.
وكان من أهم أعماله الخيرية، إنشاء مؤسسة مصر الخير عام 2007 بهدف الاستمرار لأكثر من 500 عام وذلك بالاستناد على هيكل مؤسسي لا يعتمد على الأشخاص بل على العمل المؤسسي، حيث تعمل بأحدث منهجيات العمل المؤسسي التنموي والحر.
ومن أهم لحظات حياته، هي التي كاد أن يدفع حياته فيها ثمنا لمعاركة من أجل صحيح الدين ضد التطرف والإرهاب، حين تعرض يوم الجمعة 5 أغسطس 2016 لمحاولة اغتيال من قبل أربعة مسلحين بإطلاق الرصاص عليه من بنادق آلية بمنطقة السادس من أكتوبر أثناء توجهه لأداء صلاة الجمعة إلا أن حارسه الشخصي بادلهم إطلاق الرصاص مما تسبب في إصابته، بينما نجا الشيخ. وتم القبض على الجناة.
ظل كثيرون - وما زالوا - يتحدثون عن التجديد، لكن ما قرر أن يفعله على جمعة
أن أصبح إمام المجددين فى هذه السنوات، وتلك هى إجابة السؤال المطروح في بداية هذا التقرير.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة