لماذا لا تتضمن أحاديث وفتاوى شيوخ الفضائيات والدعاة في صفحاتهم الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي وقنوات يوتيوب مواجهة التنمر الإلكتروني، الذي أصبح ظاهرة مخيفة تهدد مجتمعاتنا العربية والإسلامية، بدلا من تكرار الحديث عن فوائد بول الإبل والعلاج بالحجامة والتداوي بالأعشاب وعذاب القبر– وهو حقيقة، والحور العين والولدان المخلدون، بما يحصر الدين في قضايا هامشية أو كثر الحديث عنها إلى درجة الترهيب المنفر والترغيب المشتت للعقل، رغم حاجة الشباب إلى من يحاورهم في مستحداث العصر وقضاياه الشائكة.
إن الصراخ الذي يصم الآذان الذي نشاهده في قنوات بعض الدعاة على يوتيوب، هذا حرام وهذا مخالف وهذه بدعة، وذاك علماني ضد الشريعة وهذا يريد هدم الدين لمجرد مطالبته بتأجيل موسم الحج لعام واحد فقط، وهي الفريضة المستمرة على مر الزمان، حفاظا على النفس الإنسانية بسبب جائحة كورونا وهي في مقاصد الشريعة مقدمة على حفظ الدين.
لم نسمع هؤلاء يواجهون جمهورهم بقضية خطيرة وآفة اجتماعية مدمرة، مثل التنمر على العباد بغض النظر عن لونهم وجنسهم ودينهم، وأن الإسلام نهى عن الإيذاء والاعتداء ولو بكلمة أو نظرة، فقال تعالى: "وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ" (البقرة: 190)، وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص): "لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا" أخرجه أبو داود، وقال أيضًا: "مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ –أي: وَجَّهَ نحوه سلاحًا مازحًا أو جادًا- فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ، حَتَّى يَدَعَهُ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ" أخرجه مُسلم.
يختلف التنمر التقليدي عن التنمر الإلكتروني في أمرين أولهما: اختلال القوة بين المتنمر والضحية كما يعرفه أولويس: "التنمر أي سلوك عدواني متعمد ومتكرر نتيجة عدم توازن القوة ويهدف إلى إلحاق الأذى بالغير". وثانيهما: وسائل إحداث الضرر نفسها فالتنمر التقليدي بلحق المتنمر الأذى بالضحية عن طريق التحرش اللفظي أو الضرب بينما التنمر الإلكتروني كما يعرفه بيرين ولي "يلحق المتنمر الأذى بالضحية عن طريق وسائل الاتصال الحديثة من الهواتف المحمولة وكاميرات الموبايل وصفحات التواصل الاجتماعي ورسائل البريد الإلكتروني وغيرها".
وقد شاعت الظاهرة حتى رأينا بعض المشاهير وغيرهم من المواطنين العاديين، يحذف صورته أو صورة أولاده أو زوجته أو والدته أو شقيقته، بسبب التعليقات البذيئة هذا أسود وهذا هندي وهذا فيل وهذه بدينة وهذه دميمة وتلك وجهها به نمق وذاك في وجهه بهاق " وغيرها من ألفاظ التنمر الإلكتروني، التي تسبب أذى نفسيا ومعنويا وقد يتطور إلى أذى مادي يدفع صاحبه للعزلة أحيانا والانتحار أحيانا أخرى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة