العنوان أعلاه هو عنوان بحث للدكتوراه، مقدم من الباحث العراقى أحمد رحيم كريم الخفاجى بجامعة بابل العراقية، بكلية التربية ـ نوقش 2009 ـ والحقيقة أن هذا البحث يأتى عمدة فى موضوعه وهو من الأبحاث القليلة "الحقيقية" التى تضيف إليك بشكل فعلى .
ففيه تناول الدارس محاولات رفد التراث النقدى العربى بالمقولات الحداثية عن طريق التأصيل لها وابتعاث روح السبق، وكان الباحث موضوعيا فى أدائه ونتائجه حيث أقر بأن الأمر لم يستقم لهذه القراءات الحداثية للقديم بسبب إخضاعه قسرا للجديد، ولى عنق التأويل ليعطى دلالات تتسق والفكرة المراد الانتصار لها.
بدأ الباحث أولا بكشف أنواع القراءات المعاصرة للتراث ـ ومنها القراءة والتلقى والإسلوبية والبنيوية وغيرها ـ ثم كشف آليات التفكير فى الظواهر النقدية المعاصرة، وأخيرا فحص المقاربات الحداثية للقديم واختبر صدقها.
وقد دلل الباحث على رفضه أقوال النقاد المعاصرين بأصالة إجراءات المناهج النقدية الحديثة وسبق النصوص التراثية لها، جازما بأن هذه المقولات أسست فى ضوء سيطرة نية مسبقة من الناقد إضافة لقيامها على نصوص منتقاة سُحبت إلى ساحات النظر النقدى الحديث سحبا، وليس على قراءة كلية موضوعية، وتصديقا لذلك نجد أغلب من حاولوا إثبات سبق التراث العربى القديم لمقولات الحداثة هم أكثر من يعزفون عن توظيف مقولات هذا التراث فى النقد الحديث.
ولعل أهم البراهين التى قدمها الباحث على هذه النتيجة هو الفارق الكبير بين "مهية" و"هدف" النقد العربى القديم والنقد الحديث، فالقديم هيمنة عليه المعايير المسبقة (أخلاقية ودينية وذوقية وفنية)، واشتغل بالمعانى المشتركة بين الشعراء (قضية السرقات الأدبية) والموازنة بين الشعراء (نظرية الفحولة والترتيب)، وقضية اللفظ والمعنى والصدق الفنى (أعزب الشعر أصدقه أم أكذبه) والجودة والرداءة من حيث الأخطاء فى الألفاظ والمعانى، ونستطيع إجمال كل هذه القضايا تحت عنوانين فقط، هما: اللفظ والمعنى والقديم والجديد.
أما النقد الحديث فمختلف تماما، من حيث اهتمامه بالأثر الأدبى كلا، بعكس نقادنا القدامى الذين آمنوا بالبيت المفرد، الذى كلما استقل بنفسه كان أجود، ومن حيث عدم الاهتمام بإصدار الأحكام بعكس النقد القديم الذى أتى على معانى أفعل التفضيل (أكذب، وأصدق، وأهجى، وأمدح.. إلخ)، كما انتقل النقد المعاصر من السمات السطحية للنص لجوهره المستمد من التراكيب العميقة، وابتعد عن التصورات العقلية المسبقة، وانفتح على كل المعارف والعلوم، ومنها التاريخى والنفسى واللغوى بطبيعة الحال.
وبالتالى تأتى النتيجة منطقية، وهى أن محاولات رفد التراث بالجديد وابتعاث روح التأصيل والسبق لظواهر نقدية حديثة عند القدماء لم تكن موضوعية ولا موفقة.