ملايين البشر ينتظرون اللحظة التى يصبح فيها فيروس كورونا من الماضى، وحتى هذه اللحظة فإن تغيرات كثيرة تطرأ على حياة الناس وتغير من طريقتهم فى الحياة، ويتذكرون حياتهم العادية ولحظاتهم الطبيعية كأنها جزء من تاريخ بعيد.
أزمة ومحنة فرضت نفسها على ملايين البشر، وغيرت من سلوكياتهم وتفاصيل حياتهم، لكن كل الملايين تتوجه أنظارهم إلى العلماء فى كل مكان، ينتظرون كل يوم ما يعلنه الباحثون والعلماء عبر العالم، من ملامح الفيروس وتركيبته وسلوكه تجاه البشر.
وفى نفس الوقت ينتظرون ما سوف تسفر عنه التجارب الخاصة بالتوصل إلى علاج أو لقاح أو مصل. وهل يمكن أن يأتى العام المقبل وقد نجحت تجارب العلاج فى مواجهة الفيروس التاجى، وحتى بالرغم من التضارب فى آراء الباحثين حول فاعلية اللقاحات أو طرق العلاج فإن الأنظار تتجه إلى العلماء.
وربما تكون إحدى ميزات الأزمة أنها تذكر الحكومات والعالم بأن العلم هو الطريق الأقصر لمواجهة مشكلات العالم، وأن كل دولة فى العالم بحاجة إلى أن يكون لديها بحث علمى حقيقى وتمنح الفرصة لمزيد من التجريب والباحثين ليبدأوا رسم خرائط العلم والأولويات.
وربما يجب علينا أن ننتبه إلى هذه النقطة، طوال عقود نقرأ ونستمع إلى مطالب بالتوسع فى البحث العلمى بوصفه هو الهدف الأول للعلم، لكن بقيت هناك حواجز وتفاصيل تمنع هذا، وكانت هناك دائما مفارقات أن علماء وباحثين مصريين يلمعون فى الخارج ويشاركون فى جهود بحثية ويصلون إلى نتائج، ونظل خارج إطار الفعل، لدينا جامعات وخريجون وباحثون لكن البحث العلمى الأكاديمى لم يحظ باهتمام.
ولهذا نتمنى أن يكون تقرير لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب الذى يؤكد أهمية البحث العلمى، وأن أزمة فيروس كورونا المستجد أثبتت مدى حاجة المجتمعات إلى النهوض بالبحوث العلمية الأساسية والتطبيقية فى مجال الصحة وكل ما يتعلق بالصناعة والزراعة وسائر القطاعات الأخرى.
بالطبع فإن البحث العلمى يحتاج لمضاعفة الإنفاق وموازنات ضخمة، وهى خطوط تضمنها الدستور وبالفعل تضاعفت موازنات التعليم العالى والبحث العلمى فى الموازنات الأخيرة لكنها لا تصل إلى المأمول، ثم إن زيادة الموازنات ترافقها زيادة فى أعداد الطلاب مع الزيادة السكانية، وأغلب الموازنات تذهب إلى الرواتب والأجور حتى لا يتبقى منها الكثير للبحث وتكاليفه الباهظة.
ولهذا فإنه بينما يفكر البرلمان فى إثارة قضية البحث العلمى هناك حاجة لعقد مؤتمرات أو جلسات للباحثين والإكاديميين يمكن من خلالها وضع تصور للبحث العلمى، وأن تتضمن الرؤية أيضا أفكارا خارج الصندوق عن إدماج القطاع الخاص فى دعم البحث العلمى.
وقد شاهدت تجربة فى بريطانيا لجامعة سواث بانك حيث أقامت مركزا للبحث العلمى برعاية أكبر الشركات والقطاع الخاص، إدراكا من الشركات الكبرى فى أن الأبحاث تصب فى النهاية لصالح تطوير الصناعة.
وهناك تصور أن الدول المتقدمة فقط هى التى تحتاج للبحث العلمى، لكن الواقع أن الدول النامية يمكنها أن تستثمر فى العلم وتجنى ثمارا كبيرة.
وليس بالضرورة أن تكون الأبحاث تطبيقية، لأن الأبحاث فى الفيروسات والجينات تمثل أساس فهم فيروس كورونا وغيره والتعامل معه، والفكرة أن العلم يفرض نفسه كطريق وحيد لمواجهة كورونا وغيره من تحديات، ويستحق التضحية من أجله.