خاطئ من يتصور أن أزمة سد النهضة وليد اليوم أو اللحظة الآنية، لأن التاريخ حافل بالكثير من الوقائع الشبيهة بما نعايشه حالياً، فاليوم سد النهضة، ومن قبله كانت هناك سدود أخرى كثيرة، لكنها كانت "سياسية" قبل أن تكون إنشائية، هدفها واحد، وهوة الرغبة في تجويع مصر، من خلال قطع مياه النيل عنها.
قبل عدة أعوام ظهر الكاتب الصحفى الكبير الراحل، محمد حسنين هيكل، في مجموعة حوارات مع الإعلامية لميس الحديدى على قناة "CBC" تحدث خلالها عن رؤيته لأوضاع مصر والمنطقة، وضمن ما قاله ما يؤكد أن هناك دولا كثيرة تسعى لإضعاف مصر من خلال تجويعها بقطع مياه النيل عنها، قائلًا :"دول ومرسومات بابوية وأباطرة في الغرب يتصوروا أن إنهاء الحروب الصليبية وإسقاط دور مصر سيكون من خلال تجويعها وقطع المياه عنها".
ولكى يكون أكثر تحديداً قال الكاتب الراحل إن التخطيط لقطع مياه النيل عن مصر بدأ منذ أكثر من 800 عام، حيث حصل الرحالة "فاسكو دي جاما" على تعليمات من البابا إسكندر الثالث بقطع مياه النيل عن مصر، عقابا على نجاح صلاح الدين في هزيمة الغرب الأوروبي بالحروب الصليبية، شارحاً تفاصيل ما حدثه بقوله أن " فاسكو دي جاما تلقى تعليمات من البابا إسكندر الثالث باكتشاف طريق لإفريقيا آخر بخلاف مصر، وقال له إن هناك معلومات بأن هناك في شرق إفريقيا ملك مسيحى ومملكة مسيحية حاول أن تجد طريقًا إلى الملك المسيحى، اسمه يوحنا، أرسل له بعثه لتحويل مياه النيل التي تذهب إلى المصريين بعيدًا عنهم، وبذلك قد نستطيع أن نقضي على مصر نهائيًا".
وأضاف هيكل" الرحالة فاسكو دي جاما دمر كل الموانئ المسلمة الموجودة على شرق إفريقيا، وأرسل بعثة إلى الحبشة والتقت الملك المسيحي، كما أن الإيطاليين حينما احتلوا إثيوبيا أرادوا قطع مياه النيل عن مصر وتجويعها وإخراج الإنجليز منها، وحاولوا ذلك من خلال تكليف بعثة هندسية لتحويل مياه النيل للمحيط".
ما قاله الراحل الكبير محمد حسنين هيكل، قبل عدة أعوام بشأن مخططات تجويع مصر بقطع مياه النيل عنها، يضع أيدينا على حقائق مهمة، لا ترتبط فقط بالعكوسات التي تضعها إثيوبيا في وجه مفاوضات سد النهضة، وإنما أيضا بكل ما قيل ونشر منسوباً لمراكز أبحاث دولية، تحدثت عن رغبة دول إقليمية في استخدام مياه النيل كوسيلة لخنق مصر وشعبها، خاصة مع تأكد كل هؤلاء الارتباط الوثيق بين الأثنين، فلا مصر بدون النيل، لذلك فالأمر تخطى نظرية المؤامرة التي طالما يصدرها البعض حينما نتحدث عن رغبة أطراف إقليمية ودولية في استخدام ملف مياه النيل كورقة ضغط ضد مصر، لأن القصة تخرج عن إطار "النظرية" وعلينا أن نضعها في قالبها الصحيح، فهى حقيقة مؤكدة وتاريخية وليست نظرية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة