تعود الحياة الطبيعية بسرعة فى أوروبا، مع آمال كبيرة للخروج من أزمة كورونا، بسبب تكثيف الاتحاد الأوروبى لتحركاته لوضع خطة للنهوض الاقتصادى، ولكن الفضل فى ذلك يعود لثلاث نساء يحكمن الاتحاد بشكل قوى، وأثبتن نجاحهن فى تخطى الأزمة العالمية، من خلال الحزم والقدرة والتوزان، والنساء الثلاثة يأتى على رأسهن كريستين لاجارد، رئيسة البنك المركزى الأوروبى، وهى التى أطلقت فى 18 مارس برنامج شراء السندات بقيمة 750 مليار يورو، بقوة فاجأت الجميع وأعجبت الأسواق، وبعد شهرين قامت باتخاذ خطوات فى غاية الأهمية، وقامت بإجراءات تحفيزية قوية تتناسب مع المخاطر التى يواجهها اقتصاد منطقة اليورو.
وقررت لاجارد تثبيت أسعار الفائدة دون تغيير وفقاً للتوقعات، مع زيادة برنامج البنك المركزى الأوروبى التحفيزي الخاص بشراء سندات بمقدار 600 مليار يورو (674 مليار دولار) إلى 1.35 تريليون يورو (1.52 تريليون دولار).
كما قررت تثبيت معدل الفائدة على تسهيلات الودائع عند -0.5%، وفائدة إعادة التمويل 0.00%، والإقراض الهامشي عند 0.025%، وفقا لصحيفة "لابانجورديا" الإسبانية.
ومن لاجارد إلى رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين والتى يطلق عليها "سيدة أوروبا القوية" التي تخوض معركة في بروكسل لتقديم خطة النهوض المنتظرة بفارغ الصبر، حيث ستصطدم بخلاف بين دول الشمال والجنوب، وفقا لصحيفة "كلارين" الأرجنتينية.
فالمقترح الفرنسى الألمانى، الذى قدمه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشار الألمانية أنجيلا ميركل، بإنشاء صندوق بقيمة 500 مليار يورو لدعم جهود التعافي الاقتصادي في الاتحاد الأوروبي، والذي ينتظر أن تقدم المفوضية الأموال كمنح وقروض منخفضة الفائدة للدول الأعضاء المتعثرة على أن يتم سداد هذه الأموال المقترضة من خلال ميزانية الاتحاد الأوروبي على مدى 7 سنوات،لاقى رفض 4 دول ، تتبنى سياسات مالية محافظة وهي النمسا والدنمارك والسويد وهولندا، والتى طالبت بتقديم المساعدات في صورة قروض بفوائد منخفضة.
وفي ظل هذه المعارضة تراهن رئيسة المفوضية الأوروبية على مساندة دول أخرى، مثل إيطاليا وإسبانيا، وهما من الدول الأشد تضررا من جائحة كورونا ومن المستفيدين الأساسيين من أموال الصندوق المقترح.
أما المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، فهى كما هى "المرأة الحديدية"،بأسلوبها المتواضع وتطتيكها المعتاد، بعدم تحريك قطعة لا غنى عنها من مكانها، فهى السبب الأول والاخير فى نجاح تجربة ألمانيا فى أزمة كورونا،
وترى صحيفة "لا ريبوبليكا" الإيطالية أن ميركل تتمتع بمثل هذا القدر من الشعبية، ما مكنها من إعادة المحافظين مرة أخرى إلى 40% في استطلاعات الرأي، ويحلم البعض بأن تحدث أزمة حكومية للإبقاء عليها لـ 4 أعوام أخرى.
وأطلقت الصحيفة على المستشارة الألمانية لقبا جديدا وهو "الرصينة"، وقالت إن هى الزعيمة التي تحتاجها أوروبا في خضم أسوأ أزماتها، وهي التي تنبأ المراقبون بأفول نجمها السياسي في زخم أزمة اللاجئين التي زلزلت المشهد السياسي في ألمانيا، إلا أن نجمها يسطع من جديد فى أزمة كورونا.
وقد استطاعت ألمانيا بقيادة ميركل أن تسيطر بشكل جيد على فيروس كورونا ببلادها عبر إجراءات احترازية مقارنة بباقي دول أوروبا، لا سيما إيطاليا وإسبانيا وفرنسا، لتكون بذلك الاستثناء الأوروبي.
وقدمت ألمانيا نموذجا جذابا بإجراءات حكومتها وانضباط معظم مواطنيها، ما ساهم بشكل كبير في عدم انتشار الوباء والسيطرة عليه في البلاد، وهو ما جعل البلد يتجه نحو الانفتاح الذكي، فقد خففت السلطات الألمانية الحجر الصحي وسمحت للمتاجر والمحلات باستئناف نشاطها، وأعادت فتح المدارس مع ضرورة الالتزام بتعليمات السلامة، والتباعد الجسدي.
وأبدى غالبية الألمان رضاهم عن أداء حكومة ميركل في إدارة أزمة كورونا في بلادهم، والذي توازى مع إطلاق الحكومة الألمانية برنامج إنقاذ بحجم 700 مليار يورو لمنع إفلاس الشركات الصغرى والمتوسطة، وتقديم إعانات للعاملين المتوقفين عن العمل، وهي اليوم بصدد توسيع أكبر خطة إنقاذ منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
وقامت ميركل بإجراء اختبارات لكورونا بسرعة وبشكل موسع ، ما جعل أمر احتواء الفيروس أفضل بكثير عن الدول المجاورة لها، ، كان لدى ألمانيا بالفعل أكبر عدد من أسرة العناية المركزة من بين 22 دولة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ، والغالبية العظمى من هذه الأسرة لديها مراوح، مما ساهم فى أنها اصبحت أقل الدول التى عانت من اتخفاض فى الناتج المحلى الإجمالى بنسبة 2.2% مقارنة ب5.3% فى فرنسا وإيطاليا، و5.2% فى إسبانيا.
كما أن ألمانيا قامت بالمحافظة على نهج السياسة المالية، من خلال نشر موارد مالية كبيرة بسرعة لاحتواء الفيروس مما خلق أكبر استجابة مالية من بقية البلدان المتقدمة، وفى الوقت التى تفكر فيه إسبانيا فى رفع الضرائب، خفضت ألمانيا من القيمة المضافة لمحاربة الأزمة.
وأيضا حفاظ ألمانيا على نظام ضمان اجتماعى موحد ومتماسك للغاية ، خدم المواطنين فى عالم العمل، فهو يوفر مستوى عال من الحماية للقوى العاملة الألمانية، ويعمل كأداة فعالة للتغلب على الصعوبات بين الموظفين والشركات.