عاش الكاتب الكبير محمد حسين هيكل بين عامى (1888 – 1956) واستطاع خلال هذه الفترة أن يصنع بصمة خاصة به ويقدم إنتاجا قادرا على مقاومة الزمن وقراءته فى أى وقت ومن ذلك كتابه "حياة محمد".
وكتاب حياة محمد صدر فى عام 1935، وكتب الشيخ مصطفى المراغى مقدمة الكتاب وقال فيها:
أخرج الدكتور هيكل للناس كتابه "حياة محمد" فى سيرة محمد، ويسَّر لى أن أطَّلع على جزء منه قبل إتمام طبعه، والدكتور هيكل معروف لقراء اللغة العربية، غنى بآثاره فيها عن التعريف، وقد درس القانون واطلع على المنطق والفلسفة، ومكَّنته ظروفه وطبيعة عمله من الاتصال بالثقافة القديمة والثقافة الحديثة، وأوفى منهما على حظ عظيم، وناظر وجادل وهجم ودافع فى المعتقدات والآراء وقواعد الاجتماع وفى السياسة وغيرها، فنضج عقله وكمل علمه واتسع اطلاعه وامتد أفقه، فأصبح ينافح عن آرائه بمنطق قوى وحجج باهرة وأسلوب اختص به لا تخفى نسبته إليه.ويقول محمد حسين هيكل فى مقدمته:
محمد عليه الصلاة والسلام، بهذا الاسم الكريم تنطق ملايين الشفاه، وله تهتز ملايين القلوب كل يوم مرات، وهذه الشفاه والقلوب به تنطق وله تهتز منذ أربعمائة وألف سنة إلا خمسين، وبهذا الاسم الكريم ستنطق ملايين الشفاه وتهتز ملايين القلوب إلى يوم الدين، فإذا كان الفجر من كل يوم وتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، أهاب المؤذن بالناس أنِ الصلاةُ خيرٌ من النوم، ودعاهم إلى السجود لله والصلاة على رسوله، فاستجاب له الألوف والملايين فى مختلف أنحاء المعمورة يحيون بالصلاة رحمة الله وفضله متجليين فى مطلع كل نهار، وإذا كانت الظهيرة وزالت الشمس أهاب المؤذن بالناس لصلاة الظهر، ثم لصلاة العصر فالمغرب فالعشاء، وفى كل واحدة من هذه الصلوات يذكر المسلمون محمدًا عبد الله ونبيه ورسوله فى ضراعةٍ وخشية وإنابة، وهم فيما بين الصلوات الخمس ما يكادون يسمعون اسمه حتى تَجِفَ قلوبهم بذكر الله وبذكر مصطفاه. كذلك كانوا وكذلك سيكونون حتى يُظهر الله الدين القيم ويُتِم نعمته على الناس أجمعين.
ولم يكُ محمد فى حاجة إلى زمان طويل ليظهر دينه وينتشر فى الخافقين لواؤه، فقد أكمل الله للمسلمين دينهم قبيل وفاته، ويومئذ وضع هو خطة انتشار الدين فبعث إلى كسرى وإلى هرقل وإلى غيرهما من الملوك والأمراء كى يُسْلِمُوا، ولم تَمضِ خمسون ومائة سنة من بعد ذلك حتى كان علم الإسلام خفاقًا من الأندلس فى غرب أوروبا إلى الهند وإلى التركستان وإلى الصين فى شرق آسيا؛ وبذلك وصلت الشام والعراق وفارس وأفغانستان — وقد أسلمت كلها — ما بين بلاد العرب ومملكة ابن السماء، كما وصلت مصر وبرقة وتونس والجزائر ومَرَّاكُش ما بين أوروبا وإفريقيَّة ومبعث محمد عليه السلام. ومن يومئذ إلى يومنا هذا بقى علم الإسلام مرفرفًا على هذه الربوع جميعًا، خلا الأندلس التى أغارت النصرانية عليها فعذبت أهلها وأذاقتهم ألوانًا من الشدة والبأس. ولم يطق أهلها صبرًا على الحياة، فعاد منهم من عاد إلى إفريقية، ورد الهول والفزع من ارتد منهم عن دينه ودين أبيه إلى دين العُتاة والمعذِّبين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة