غادر السفير محمد حافظ إسماعيل العاصمة الفرنسية باريس ذات صباح باكر فى منتصف مايو 1970 عائدا إلى القاهرة، لتسلم مهام منصبه الجديد، حسبما يذكر فى مذكراته «أمن مصر القومى فى عصر التحديات».
كان «إسماعيلإ سفيرا لمصر فى فرنسا منذ أن سلم أوراق اعتماده إلى الرئيس الفرنسى ديجول فى «قصر الإليزيه يوم 20 سبتمبر 1968».. يذكر: فى الحديث الخاص الذى أعقب المراسم العلنية، أكدت على دور فرنسا فى دفع عجلة التسوية فى المنطقة بمشاركة أوربية.. وكانت فرنسا تمثل فى استراتيجية العمل السياسى المصرى دور «النافذة» التى نطل منها على الغرب».. يتذكر: عدت فى نهاية اللقاء إلى دار السكن لأبدأ رحلة لم يكتب لها أن تمتد لأكثر من عشرين شهرا، شهدت فيها فرنسا تخوض معركة الاستقلال الوطنى خلال عهدى ديجول وبومبيدو.
كانت مهمة «إسماعيل» الجديدة هى رئاسته لجهاز المخابرات العامة بقرار من الرئيس جمال عبد الناصر، وكانت هذه المهمة إحدى محطاته فى سجله الكبير كرجل دولة من طراز فريد، فحسب مذكراته، ولد فى القاهرة 1919، والتحق بالمدرسة الحربية عام 1935، وتخرج عام 1937، وتخرج من الأكاديمية العسكرية البريطانية 1939، ثم من كلية أركان الحرب 1948، وعمل مدرسا بكلية أركان الحرب ومساعدا للملحق العسكرى بواشنطن قبل ثورة 1952، ثم مديرا لمكتب القائد العام من 1953 إلى 1960، وسفيرا لمصر فى لندن وروما وباريس وموسكو، وتولى وكالة الخارجية ثم رئيسا للمخابرات عام 1970، ثم مستشارا لرئيس الجمهورية للأمن القومى من 1971 حتى 1974، وتوفى فى 1 يناير 1997.
يتذكر «إسماعيل»: «عندما وصلت إلى القاهرة فى منتصف مايو، كان هدوءا مثيرا يسود المنطقة، وكان الرئيس عبدالناصر يتابع علاجه فى الاتحاد السوفيتى، وعلى هذا بادرت بمقابلة «نائب رئيس الجمهورية» أنور السادات، لكى يأذن لى ببدء ممارسة عملى الجديد، وفاجأنى نائب الرئيس خلال مقابلتنا بالقول بأن الرئيس سيحدثنى عند عودته من الخارج عن مهمتى المستقبلية، وفهمت من ذلك أن رئاستى للمخابرات العامة “مرحلة انتقالية».
فى يوم 17 يونيو، مثل هذا اليوم، 1970، كان اللقاء مع عبد الناصر..يتذكره قائلا: استقبلنى الرئيس عبد الناصر فى مكتبه بمنشية البكرى، ولم أكن اجتمعت به منذ قابلته فى صيف 1968 مستأذنا فى السفر إلى باريس».. يسجل «إسماعيل» انطباعاته: فى لقائنا الآن أحسست أنه يحدثنى رجل إلى رجل، وليس حديث زعيم مع مرؤوسيه، وهو يعرض لمرضه منذ سبتمبر 1969، وبدا لى خلال لقائنا أكثر إرهاقا مما كان عليه، ومع ذلك لم تكن نظرته فقدت بريقها، ولم تكن قدرته على تناول القضايا قد تراخت، وإن تبينت الحزن فى صوته مما كان يعكس همومه».
يؤكد «إسماعيل»:»تحدث الرئيس عن تطوير يريد إحداثه خلال أشهر، بدا لى وكأنه يريد مرحلة جديدة فى تقديره للصراع الذى يقوده»..يضيف: «عرض علىَّ أن أعد نفسى لتولى القيادة العامة للقوات المسلحة، كما طلب أن أعد له دراسة عن تنظيم واختصاصات جهاز يمكن أن نطلق عليه اسم «لجنة الأمن القومى»، يكون مسؤولا عن بحث واقتراح التوجيه الاستراتيجى العسكرى والسياسى للدولة ومتابعة تنفيذ القرارات التى تتخذ».
يؤكد أنه أبدى رأيه فى مسألة توليه مسؤوليات القوات المسلحة، قائلا: «كنت أمضيت عشرة أعوام بعيدا عن القوات المسلحة، ولم أكن قادرا على تقييم ردود فعل قادتها نحوى، من منطلق قناعتهم بأحقية أحدهم فى تولى منصب القائد العام.. من ناحية أخرى، لم أكن فى عامى 1957 و1958 التحقت بواحد من وفدى قواتنا المسلحة اللذين أوفدوا إلى الاتحاد السوفيتى، وكان المشير عامر رأى أن أبقى فى القاهرة، ولهذا كنت أحس بتجاوز زملائى لي، نظرا للخلاف الكبير بين العقيدة العسكرية البريطانية «دراسة إسماعيل» والروسية.
يضيف إسماعيل: «حكى لى الرئيس كيف تجاوز هو هذه المشكلة، عقب هزيمة يونيو 1967، عندما قرر أن يعيد قراءة المراجع العسكرية الروسية حتى يستطيع أن يصحب فكر قادتنا خلال زيارته لهم ومناقشاته معهم..والإطلاع على دراساتهم، ولقد استنفذ ذلك الكثير من جهده ووقته، ولن يكون الأمر أكثر مشقة بالنسبة لى».. يؤكد إسماعيل: «غادرت بيت الرئيس.. ولم يلبث بعد يومين من حديثنا، أن جرفتنا الظروف المتصاعدة فى عنفها وحدتها خلال الشهور القليلة التالية، وعندما أثير الموضوع مرة ثانية، كان ذلك مع الرئيس أنور السادات فى نوفمبر التالى».