إرهاب عابر للحدود، وسيناريوهات للفوضي والدمار لا تعرف نقطة نهاية، عبر هذا النهج اختارت كلاً من قطر وتركيا السعي لإثارة الفوضى في العديد من دول الشرق الأوسط والقارة السمراء، ومن بينها الصومال، ذلك البلد الأفريقي الذى عانى كثيراً من النزاعات والحروب والنشاط المشبوه للمليشيات الممولة من كلاً من أنقرة والدوحة بهدف نهب ثرواته تارة، وخلق مناطق توتر ونزاعات لدول الجوار.
الدور المشبوه الذى تلعبه قطر وتركيا تحدث عنه المدير السابق لوكالة المخابرات والأمن الوطني الصومالية عبدالله محمد على، مشيراً في حوار مع مجلة "ناشيونال إنترست الأمريكية" إلى أن نفوذ الدوحة بدأ عندما اعتمد الرئيس الصومالي محمد عبد الله فارماجو على نظام تميم بن حمد في ملفات عدة مما أسفر في النهاية عن القضاء على التقدم الأمني الذي أحرزته الصومال في السابق.
وحسب محمد علي، كان الصوماليون، في الداخل والخارج على حد سواء، متفائلون عندما تم انتخاب محمد عبد الله فارماجو رئيسا للصومال في فبراير 2017.
وتقاسم الدبلوماسيون و المسؤولون عن ملف التنمية هذا التفاؤل، معتقدين أن فارماجو كان صادقا وإصلاحيا وأنه سيعمل بشكل فعال.
وكشفت أربعون شهرا من حكم فارماجو أن حالة التفاؤل الأولية كانت في غير محلها إذا لم تكن ساذجة.
فالصومال في حالة أسوأ بكثير مما كانت عليه قبل توليه القيادة فالوضع الأمني خطير، كما انهار الاقتصاد، وتم عزل الولايات الاتحادية، فضلا عن أن السياسة الخارجية غير مركزة.
علاوة على ذلك، أصيبت المؤسسات الوطنية بالشلل بينما دمر فيروس كورونا السكان ببطء، وفي هذه المرحلة، تم إغلاق مقديشو بسبب التهديدات الإرهابية المتزايدة وليس بسبب التهديدات الصحية.
وألقي المسؤول الأمني السابق باللوم على قطر في تدهور الأوضاع الصومالية، مشيراً إلى أن شعب الصومال يتحدث الآن عن الكيفية التي تشكل بها رغبة قطر في شن حرب بالوكالة ضد القوى الإقليمية الأخرى السياسة الخارجية الصومالية.
وبناء على رغبة قطر، خفض فارماجو علاقات إثيوبيا العميقة و الاستراتيجية والتاريخية مع دول الخليج ، وقد جعلت هذه الخطوة الصومال أكثر اعتمادا على قطر، التي فشلت على نحو يدعو إلى السخرية في تنفيذ المشاريع التي وعدت بها الصومال.
وبحسب تقرير "ناشيونال انترست"، تكمن المأساة الأكبر للشعب الصومالي في الكيفية التي أثر بها النفوذ القطري واعتماد فارماجو المفرط على الدوحة في وضع نهاية لسنوات من التقدم في الأمن.
وبناء على اقتراح من قطر، قام فارماجو بتعيين فهد ياسين، لرئاسة وكالة المخابرات والأمن الوطني الصومالية (NISA) على الرغم من أن ياسين، صحفي الجزيرة السابق، وليس لديه خلفية أمنية أو استخباراتية.
و"تحت وصاية قطر، قام ياسين بتفكيك الركائز الأساسية للوكالة، واستبدل بشكل منهجي ومنظم العملاء المحترفين وذوي الخبرة بالمتدربين الهواة، وعمل بشكل فعال باعتباره مقاصة لعمليات المخابرات القطرية في القرن الأفريقي. لم تعد عمليات المخابرات الصومالية تركز على المعركة ضد حركة الشباب، بل تهدف بدلا من ذلك إلى إسكات المعارضة السياسية والأصوات الناقدة من المجتمع المدني".
وأشار مدير المخابرات الصومالية السابق إلى أن فاراماجو قوض قدرة القوات المسلحة الصومالية، التي خطت خطوات كبيرة قبل عام 2017 لتصبح قوة مختصة وشاملة ومهنية، للقيام بدورها المسموح به في إطار القانون في الدفاع عن الشعب والدولة وكونها حصن ضد إرهاب حركة الشباب والجماعات المتطرفة المماثلة. وبدلا من ذلك، تعمل هذه الجماعات الآن كقوة شبه عسكرية وامتداد لوكالة المخابرات الصومالية تحت قيادة ياسين، وغالبا ما يتم استخدامها لمضايقة وترهيب المنافسين السياسيين والأعداء المتصورين في الولايات الفيدرالية التي يُزعم أنها لا تتعاون.
ويضيف: "في الواقع، يبدو أن العديد من الحوادث الإرهابية وحملة الاغتيال الأخيرة التي أسفرت عن مقتل اثنين من المحافظين الإقليميين، مودوغ ونوغال في منطقة بونتلاند في الصومال، تحمل بصمات قطرية".
وحسب صحيفة نيويورك تايمز، يبدو أن تسريبا صوتيا من مكالمة هاتفية من السفير القطري في الصومال في 2019 يؤكد تورطه المباشر في هجوم انتحاري وقع في مدينة بوساسو الساحلية.
ويعلق محمد علي :" في أحسن الأحوال، تعد المخابرات الصومالية غير قادرة على منع مثل هذه الأعمال، وفي أسوأ الأحوال، ربما جعل ياسين بعض الأشخاص متواطئين".
ويتابع محمد علي: "إن تدخل قطر في السياسة الداخلية الصومالية أمر يستحق الشجب بنفس القدر ويمكن أن يقوض مستقبل الصومال كدولة وظيفية وقابلة للحياة".
وبدعم من قطر، حاول فارماجو قلب الفيدرالية التي هي في قلب النظام السياسي في الصومال بعد الحرب الأهلية، وقد وفرت قطر الموارد المالية واللوجستية لفرض الموالين لفارماجو على الولايات الأعضاء المترددة".
وعمل فارماجو وقطر على تقويض الضوابط والتوازنات السياسية في مقديشو، حيث قاموا بتهميش مجلس الشيوخ، وأفسدت الأموال القطرية التي تم تمريرها عبر ياسين البرلمان.
وبعد التمويل القطري والإطاحة العنيفة برئيس البرلمان محمد الشيخ عثمان "جواري، أصبحت الغرفة مجرد جهاز تأييد يختم على القرارات.
وعملت هذه الجهود مجتمعة لإعادة تأكيد السيطرة الديكتاتورية على تحفيز المعارضة العنيفة وزادت من قدرة حركة الشباب على التجنيد في الوقت الذي مزق فيه فارماجو وياسين الثقة في الهياكل والاتفاقيات الناشئة.
ويضيف محمد علي أنه مع انتهاء فترة فارماجو، يدرك أنه ولايته كانت سامة، وبحسب ما ورد، فإن الحلفاء السابقين، بمن فيهم رئيس الوزراء حسن علي خير، يفرون، بينما يسعى خصومه إلى الإطاحة به.
ومن قطر إلى تركيا، لا تقل حدة المؤامرات، ولا تختلف الأهداف، فعبر بوابة المساعدات الإنسانية واستغلال الأزمات التي عانها الشعب الصومالى على مدار سنوات مضت من جفاف وتصحر وحروب أهلية، تسللت تركيا للعبث بمقدرات هذا الشعب الأفريقي.
وبحسب مصادر صومالية، بدأت جمعيات تركية في تأسيس شركات خاصة داخل الصومال ليتوسع نشاطها في مجال إدارة المواني وتدخل تدريجياً في شراكة حاكمة مع الحكومة لإدارة قطاعات حيوية كان لها دور بارز في التأثير على صانع القرار.
النفوذ التركي امتد على مدار سنوات إلى أن افتتحت أنقرة أكبر قاعدة عسكرية لها خارج حدودها عام 2017، جنوبي العاصمة الصومالية مقديشو ، وتعد القاعدة التي تضم 3 مدارس عسكریة بجانب منشآت أخرى، أكبر معسكر تركي للتدریب العسكري خارج تركیا، وتقع القاعدة على ساحل المحیط الهندي.
وتتولى تلك القاعدة تدريب 1500 جندي صومالى بحجة المساعدة في إنشاء جيش وطني، إلا أن خبراء يرون في ذلك حيلة تركية مفضوحة للسيطرة على مفاصل الدولة بشكل بات خارج عن السيطرة ويدعو للقلق.