أحمد إبراهيم الشريف

"الأيام الثمانية الأخيرة لملاكة" بكائية عبد المنعم رمضان

السبت، 27 يونيو 2020 02:11 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا يعرف الشوق إلا من يكابده، والحزن أيضا، لا يعرفه إلا الذين أصابهم نصل غدره، ولا غدر أقسى من الموت، ما أكثر ما التقيناه، وفى كل مرة يفاجئنا كأنها المرة الأولى، قاسيا هو الموت، لكنه إذا اقترب من" الشعراء" ومس أحبابهم يكون أكثر قسوة ووطأة، كأنه، ذلك اللئيم، يعرف أنهم سيخلدونه بالشعر، يعرف أن قلوبهم ستنزف، وأن أرواحهم ستبكى، وأن كلماتهم ستصبح "مغسولة" بدمع قلوبهم.
 
 
فعلها الموت، واقترب مثل جراح "غشيم" واقتطع جزءا مهما من روح الشاعر الكبير عبد المنعم رمضان، أخذ زوجته، وتحرك مبتعدا مختالا واثقا مراهنا على القصيدة، فهو يعرف أن الشاعر لن يتركه، أنه سينال منه بالكلمات، وهو يعرف أن هذه الكلمات بقدر ما تُعريه أمام "العالم"  فإنها تمنحه "مهابة" يحتاجها "الموت" دائما فى مواجهة ضحاياه.
 
واستطاع الموت أن يربح رهانه مع الشاعر، فقد صاغ عبد المنعم رمضان، واحدة من روائعه، أعتقد أننى أخطأت فى استخدام الفعل "صاغ" ففى ظنى أن قصيدة  "الأيام الثمانية الأخيرة لملاكة" التى نشرت مؤخرا لعبد المنعم رمضان، فى صحيفة أخبار الأدب، قد كتبت نفسها، لم يجلس "رمضان" ليبحث عن اللفظ المناسب والصورة المعبرة، هو فقط استمع إلى قلبه وكتبها:
 
بالطبع لن نستطيع أن نتوقف أمام القصيدة كلها لنقرأها، لكننا سنتوقف فقط أم جزء صغير جدا، لنتأمله:
يقول عبد المنعم رمضان فى القصيدة:
اليومُ الثامنُ كان اليومَ الثامنَ جدًا جدًا
بتنا محمولينَ على أحوالٍ لا نعرفُها
بتنا محمولينَ إلى أضرحةٍ
لا تنتظرُ صباحَ العيدْ
بتنا مثل رجالٍ جوفٍ
مثل دموعٍ مستعملةٍ
مثل الوقتِ الآخرِ
مثل عبيدْ
 
كان عبد المنعم رمضان يدرك أن الفراق آت، لكنه وجد نفسه يعيد اكتشف كل شيء من جديد من أول فعل الزمان "اليوم" الذى هو "اليوم الثامن" كأن الأسبوع أخذ دورته كلها ثم عاد ليتكرر مرة أخرى، لقد أغلقت دائرة الوقت تماما، لم يعد هناك أمل، العلامات واضحة جدا لا تحتاج تأويلا، لكننا من يحتاج إلى قراءة.
 
شعور الموت الذى يلف المكان، هذه المرة مختلف، حاله مختلف، وأحوالنا نحن الخائفين المترقبين مختلفة أيضا، كل شيء كأنه لا ينتمى إلينا، لقد أصبحنا "رجال جوف" فارغين من كل شيء، من كل معنى، لا معنى للزمن سوى أنه أشباح للفقد تحيط بنا، لقد فقدنا حتى الجِدة فى الأمر فكأننا دموع مستعملة، هذه الدموع المستعملة التى صرناها على خد الزمن حولتنا إلى عبيد لا نلمك من أمرنا شيئا، ولا نقوى على فعل شيء.
ليس للكلمات أن تنهى الحزن لكنها تجسده، تحوله إلى "كائن" يمكن لنا أن نلمسه بأطراف أصابعنا، ونتفس من خلاله روائح أحبابنا، فيمنحنا شيئا من "الصبر" بالطبع شيئا يسيرا، لكنه على كل حال شكرا للقصيدة صنيعها. 






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة