ألقى الدكتور مصطفى الحفناوى نظرة أخيرة على تقريره قبل تسليمه إلى الحكومة يوم 28 يونيو، مثل هذا اليوم، 1954، وكان حول المعلومات التى توصل إليها عن خطة «تدويل قناة السويس»، قبل انتهاء «أجل الامتياز فى 16 نوفمبر 1968»، وعرفها يوم 25 يونيو 1954 من لقائه بوزير مفوض لدولة ملاحية هامة تستخدم القناة، ولهول ما سمعه عكف على كتابة هذه التقرير فورا، وفقا للجزء الرابع من كتابه «قناة السويس ومشكلاتها المعاصرة».. ويشمل كلام الوزير المفوض عن التدويل، ورد الحفناوى عليه، وتعليقاته التى تعد رأيا وإضاءات منه للجهة التى يخاطبها، وهى الحكومة بقيادة جمال عبد الناصر.. «راجع، ذات يوم، 25 و27 يونيو 2020».
فى هذا الجزء من التقرير، يذكر الحفناوى آراءه ومعلوماته: «فى صباح اليوم وصلنى بالبريد الجوى النص المطبوع لمحضر جلسة الجمعية العمومية لمساهمى شركة قناة السويس فى أول يونيو 1954، وحينما تصفحت هذا المحضر وألقيت عليه نظرة سريعة، ألفيت أن أحد المساهمين وجه سؤالا إلى رئيس مجلس إدارة الشركة يقول له إن الإذاعة المصرية تتحامل من وقت لآخر على فرنسا، أفلا ترى أن هذه السياسة قد تؤدى إلى ظهور حركة فى مصر بشأن شركة قناة السويس شبيهة بحركة الدكتور مصدق فى إيران».
يكشف: «أنا أعرف أن هذه الأسئلة تعد قبل الجلسة بمبنى وزارة الخارجية الفرنسية، وتعد الإجابات عليها مقدما كما أنى قرأت خطاب «شارل رو» رئيس الشركة، وألفيت بين سطوره عبارات ماكرة يريد أن يلوح فيها بما يسميه مسؤولية دولية تحملها الشركة»، ويشير الحفناوى إلى أن هذه الرأى لشارل هو ما سمعه من الوزير المفوض.
يؤكد «الحفناوى»: «إنى كرجل وقف على طريقة تفكير أولئك الناس وأساليبهم، وتوفر ليل نهار على مسائل قناة السويس، أقطع لسيادتكم بأنهم يبيتون شيئا ويعدون له من الآن، وبين يدى مؤلفات علمية وضعها صفوة علماء القانون الدولى ويعمدون فيها إلى المغالطات حتى قال أحد كبار علماء الإنجليز بل أكبر أستاذ فى قانون البحار الدولى واسمه «كولمبس» بالحرف الواحد فى مؤلف حديث له إن قناة السويس مملوكة لشركة قناة السويس».. الملاحظ فى هذه الفقرة من التقرير أن الحفناوى يخاطب شخص بقوله: «أقطع لسيادتكم» لكنه لا يكشف الاسم، ولأن التقرير موجه إلى الحكومة فمن الطبيعى أن يكون هذا الشخص هو رئيسها جمال عبدالناصر.
ينبه «الحفناوى»:«إنهم يجهزون الرأى العام العالمى بنفس الأسلوب الذى اتبعته إنجلترا فى قضية مصر-فيما مضى- إذ يصورون للعالم أن مصالح ما يسمونه بالعالم الحر مهددة إذ استقلت مصر بإدارة القناة كما تقول إنجلترا إن هذه المصالح تهدد إذ جلت عن القاعدة، وكما تقول إنجلترا إنها تحمل التزامات دولية، يقول «شارل رو» إنه يحمل التزامات، ويقول إن الحكومة المصرية لا تستطيع أن تنفرد بحركة الملاحة فى القناة، نفس المنطق لا يتغير والأسلوب لا يتبدل، وقد قلت المرة غير المرة إن شركة قناة السويس هى الشق المدنى بل الشق الأهم فى الاحتلال البريطانى فى مصر، بل هى حجر الزاوية فى استعمار الغرب للشرق.. أعتقد أن الوقت حان لعمل شىء سريع حاسم فى هذا الموضوع الخطير، وها نحن نسمع منهم الكلام عن نقطة الضعف التى يريدون أن يهاجمونا منها قائلين إنه لا يوجد لدينا الفنيون الذين يريدون القناة».
يثير الحفناوى نقطة مهمة قائلا: «إن الشركة وضعت سياسة راسخة من شأنها تجنيب العنصر المصرى الاتصال بالأعمال الفنية للشركة أو الوقوف عليها سواء أكان هذا العنصر موظفين أو عمالا، والكلام فى هذا الموضوع يطول شرحه والشركة لا يعنيها أن تبعثر أموالا على بعض أولاد الذوات ومحسوبى العهد البائد متوخية فى الماضى اختيارهم من أردأ العناصر، لكى تحتج علينا بفشلهم، وهى ماضية فى سياستها والتنكيل بمن تلمس فيهم مقاومة لسياستها وخصوصا نقابات العمال وتستعد على أساس الحياة الدائمة والأجل الطويل بدليل المبالغ الضخمة التى ترصدها لتعميق القناة، وغير ذلك مما تريد أن تتشبث به فى الوقت المناسب، لكى تطيل من أجلها أو تفرض اللجنة الدولية التى يتكلمون عنها للحلول محلها».
يختتم «الحفناوى» تقريره، بالمطالبة بأن تحتل هذه القضية المكان الأول من سياسة مصر والعمل ليل نهار من أجلها، ويقترح أن تدخل الحكومة فى جميع أعمال الشركة، ومراقبة دولاب العمل فيها، وتمرين العنصر المصرى، ونشر حقائق قضية القناة فى العالم كله.. ويختتم تقريره قائلا: «كنت أعتبر نفسى مقصرا لو أنى لم أضع هذا التقرير».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة