الدكتور محمود السعيد عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية يكتب: مصداقية أرقام وزارة الصحة الخاصة بكورونا فى نظر العلم ..أعداد المصابين والوفيات ليست ترفا نزين به دفاترنا ولكنها مؤشرات لفهم حالة الوباء

الإثنين، 08 يونيو 2020 01:06 م
الدكتور محمود السعيد عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية يكتب: مصداقية أرقام وزارة الصحة الخاصة بكورونا فى نظر العلم ..أعداد المصابين والوفيات ليست ترفا نزين به دفاترنا ولكنها مؤشرات لفهم حالة الوباء الدكتور محمود السعيد عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كما نعلم تقوم وزارة الصحة المصرية بإصدار نشرة يومية ينتظرها المصريون مساء كل يوم بأرقام وبيانات حول مدى انتشار فيروس كورونا المستجد في مصر، وذلك منذ بداية ظهور المرض بمصر في 14 فبراير 2020، وتضم النشرة اليومية مجموعة من القياسات الهامة الخاصة بستة معطيات رئيسية حول الفيروس وهي  أعداد الإصابات الجديدة،  إجمالي عدد المصابين،  عدد الحالات التي تحولت نتائج تحاليلها من إيجابية إلى سلبية وهي مرحلة تسبق مرحلة التعافى ،  عدد حالات الشفاء " أي الخروج حتى الآن من المستشفيات"،  عدد الوفيات الجديدة، وأخيرا إجمالي عدد الوفيات حتى الآن. وقد توالت النشرات منذ بداية الأزمة في فبراير وحتى اليوم تحمل أرقاما للمعطيات الستة صعودا وهبوطا إلى أن وصل الرقم الإجمالي لأعداد المصابين في يوم 6 يونيو 2020 إلى 32612 حالة إصابة مؤكدة وفقا للتحاليل والفحوصات المعملية التي تجرى فقط داخل معامل وزارة الصحة، كما وصل الرقم الإجمالي لحالات الوفاة المؤكدة بالفيروس إلى 1198 حالة بمعدل 12 حالة وفاة تقريبا لكل مليون مصري. 
 
1
 
هذا وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها وزارة الصحة في جمع هذه الإحصاءات والقياسات إلا أن هناك فئة ليست بالقليلة، وخصوصا في الفترة الأخيرة، تشكك في مصداقية أرقام الإصابات والوفيات بسبب فيروس "كورونا". ويصر طيف كبير من مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي على الاحتفاظ بنظرية المؤامرة تجاه تلك الإحصاءات تارةً من خلال الاستهانة بالفيروس في بداية الأزمة وقبل انتشاره، و تارةً أخرى عبر تهويل الوضع بعد أن وصلنا إلى أسابيع ذروة انتشار الفيروس بسبب عادات المصريين المرتبطة بشهر رمضان المبارك وعيد الفطر، حيث يؤكد هؤلاء على وجود تلاعب في الأرقام المعلنة وأن هناك حالات كثيرة للإصابات والوفيات لم تعلن عنها الوزارة؛ وهو ما استبعدته جهات رسمية غير ما مرة، مؤكدة أن مصر تعاملت باستباقية مع الفيروس منذ ظهور أول حالاته في فبراير الماضي، وأن الكرة كانت ومازالت في ميدان الشعب للالتزام بالإجراءات الاحترازية الخاصة و قيود التباعد الاجتماعي  بارتداء الكمامات وغسل الأيدي جيدا بالمنظفات والحفاظ على مسافة آمنة مع الأخرين. 
 
و هذا بدوره يطرح سؤالا هو :"هل الأمر فعلا هو تلاعب في الأرقام أم أن هناك عدم دراية من الجمهور بطبيعة الأرقام المعلنة؟". و بالنظر في تقرير حديث لمجموعة من الباحثين من جامعة جوتنجن الألمانية، توصلت نتائج دراستهم إلى أن عدد الحالات المؤكدة لمرض كوفيد 19 والصادرة رسميًا عن الدول حول العالم والمسجلة لدى منظمة الصحة العالمية هو أقل بشكل كبير من العدد الحقيقي للأفراد الذين أصيبوا بالمرض.
 
واعتمد الباحثون في هذه الدراسة علي تقديرات الوفيات من كوفيد-19 من دراسة حديثة نشرت في مارس 2020 في مجلة لانسيت للأمراض المعدية لاختبار جودة البيانات الرسمية الخاصة بالمرض في العديد من دول العالم. وتوصلت الدراسة إلى أن الدول اكتشفت في المتوسط حوالي 9% فقط من حالات الإصابة بفيروسات كورونا المستجد، وأن العدد الحقيقي للأشخاص المصابين في جميع أنحاء العالم ربما وصل بالفعل إلى عشرات الملايين. وهذه الدراسة متاحة للجميع على الإنترنت عبر الرابط :
 
و من هنا تخيل معى عزيزي القارئ وفقا لهذه الدراسة المعتمدة علميا و منهجيا كيف أن قدرات الكشف و التعقب في كافة دول العالم لم تستطع سوى أن تسجل أقل من عُشر الإصابات الموجودة في الواقع !
 
و بالعودة لسياقنا المصري أعلن وزير التعليم العالي الدكتور خالد عبد الغفار ، أيضا عن دراسات تقوم بها الوزارة للتنبؤ بوقت ذروة انتشار الفيروس ووقت انحساره وذلك بالاستعانة بخبراء في مجال انتشار الأوبئة باستخدام نماذج رياضية تفترض أن العدد الفعلي للمصابين قد يصل إلى خمسة أضعاف الأرقام المعلن عنها في نشرات وزارة الصحة و هو و إن وقع على أسماع البعض كالمفاجأة ، لكن علميا و للمتابع لمستجدات البحث العلمي في طبيعة الوباء ليس بالأمر الجديد , مما يؤكد مرارًا إجابة سؤال مقالنا و هو أن عنصر هام لفهم  و استيعاب قياسات الوباء تتطلب بالضرورة دراية من الجمهور المتلقي.
 
2
 
وعليه فإن معظم الدول لا تتلاعب بالأرقام المعلنة كما يحلو للبعض أن يعتقد في إطار نظرية المؤامرة، كل ما في الأمر أن العدد المكتشف من الإصابات في أي دولة هو نتيجة عينة من المسحات اليومية التي تجريها لاختبار الإصابة بالفيروس. وأخر عدد يومي للمسحات تجريها الوزارة كما تم الإعلان عنه في وقت سابق هو 4آلاف مسحة يوميا.  وبالطبع كلما زاد حجم العينة-عن طريق زيادة عدد المسحات-سيتم اكتشاف عدد أكبر من الإصابات. 
 
ويتبادر هنا سؤال آخر، يبدو منطقي للعامة وهو ليس كذلك: طالما أن العدد الفعلي غير معروف فلماذا يهتم الباحثون بتحليل الأرقام المعلنة من قبل الوزارة و هي على ما عليها أقل من العدد الفعلي ؟. إن الباحثين في معظم الوقت يعتمدون على نتائج عينات، في الغالب تكون عينات احتمالية ممثلة لمجتمع الدراسة، في تحليل الظواهر التي يقومون بدراستها. والأرقام المعلنة للإصابات والوفيات هي نتائج عينة يومية على الرغم من كونها عينة غير ممثلة للمجتمع ولكن يظل تحليلها مفيد في تحديد مدي الانتشار وما إذا كنا في حالة ذروة الإصابات أم تجاوزناها أم لم نصل إليها بعد. كما تفيد قراءة تلك العينات في التنبؤ بحجم الانتشار خلال الفترة القادمة. ولهذا فإن تحليل النتائج المعلنة يوميا يبقي ضرورة ملحة للحكومات وواضعي السياسات لأغراض التخطيط واتخاذ القرارات سواء المتعلقة بالصحة العامة أو الاقتصاد.
و لأجل هذا كله –عزيزي القارئ- فإن التباين بين الأرقام المعلنة و واقع الإصابات ليس شيئا مفاجئا ، كما أن تلك الأرقام المعلنة ليست ترفا نزين به دفاترنا فهي تظل مؤشرا هاما لصانع القرار لفهم حالة الوباء ، و إلى أن يهتدى العِلم و العالَم لعلاج فعال حاسم لهذا الفيروس يظل دورنا ألا ننشر الهلع دون دراية علمية ، و الأفضل أن نقوم بدورنا البسيط و هو الالتزام بالتدابير الوقائية و اجراءات التباعد الاجتماعي فهذا أنفع و أجدر لأنفسنا و أهلنا و أوطاننا.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة