وجهه المنحوت يشبه شوارع مصر، ترى فى ملامحه المرسومة وجه أبيك وجدك وجارك الطيب، وحين يبكى ترى دموع رجالها عندما يفيض الكيل ، وحين يضحك ترى خفة ظل شعبها الذى يضحك على همومه حتى ينساها أو يتعايش معها ويألفها، هكذا هو نجيب الريحانى الفنان الذى لا تجد أوصافا أو ألقاباً تصف قدره وعبقريته الفنية وإبداعه، والذى رحل عن عالمنا فى مثل هذا اليوم الموافق 8 يونيو من عام 1949 ، ورغم ذلك ظل وسيبقى نهرا فياضا من الفن ينهل من عطائه ويتعلم فى مدرسته مئات الأجيال.
نجيب الريحانى أحد أهم رواد الفن والمسرح والسينما وأشهر الكوميديانات في التاريخ الذى وُلد في حي باب الشعريَّة بالقاهرة لِأبٍ عراقيٍّ كلدانيّ يُدعى «إلياس ريحانة»، كان يعمل بِتجارة الخيل، استقر به الحال في القاهرة وتزوج من مصرية و أنجب منها ثلاثة أبناء منهم نجيب الذى تعلم في مدرسة الفرير وانضم إلى فريق التمثيل المدرسيّ، وكان مثقفا يحب الشعر القديم وعشق المسرح والفن منذ طفولته.
عمل نجيب الريحانى فى بداية حياته موظفا بشركة السكر في صعيد مصر، وتنقل خلال هذه الفترة بين القاهرة والصعيد وكان لِتجربته أثر كبير على العديد من مسرحياته وأفلامه وشخصية كشكش ببيه التى اشتهر بها.
كان المسرح والفن المصرى قبل نجيب الريحانى يعتمد على النقل والترجمة من المسرح الأوربى ، ويرجع الفضل للريحانى ورفيق عمره بديع خيرى فى تمصير الفن والمسرح وربطه بالواقع والحياة اليومية ورجل الشارع المصرى.
«عايزين مسرح مصري، مسرح ابن بلد، فيه ريحة الطعمية والملوخية، مسرح نتكلَّم عليه اللُغة التي يفهمها الفلَّاح والعامل ورجل الشارع»، كان هذا هو المبدأ الذى تعاهد عليه الريحانى وبديع خيرى الذين اشتركا فى كتابة الأعمال المسرحية والسينمائية التى قدماها معاً.
وعن بداية هذا التعاون تحدثت معنا المخرجة عطية عادل خيرى حفيدة بديع خيرى مشيرة إلى أن جدها كان يحلم فى بداياته أن يكون ممثلا، ومارس هوايته مع فرق الهواة، حتى تعرف على الريحانى.
وفى لقاء تليفزيونى نادر تحدث بديع خيرى عن بداية علاقته بالريحانى، مشيرا إلى أنه أنشأ مع مجموعة من شباب الهواة تجمعا أطلقوا عليه «نادى التمثيل العصرى» وكتب أول مسرحية فى حياته بعنوان «أما حتة ورطة»، فنالت إعجاب الجمهور، لأنها اختلفت عما كان يعرض من مسرحيات مترجمة، حيث كانت تتحدث عن المجتمع المصرى.
وتابع: «كان نجيب الريحانى يسكن أعلى المسرح الذى تعرض فيه الفرقة وجاء فى أحد الأيام ليشاهد المسرحية فأعجبته وسأل عن مؤلفها، فأرسل لى وعرض على العمل معه والتأليف لفرقته مقابل مرتب كبير، ولكن قلت أجرب، ولو حققت نجاحا أترك التدريس، وكان أول تعاون بيننا هو مسرحة «على كيفك» ومسرحية و«كله من ده».
وخلال هذا اللقاء أشار بديع خيرى إلى مصادفة غريبة حدثت يوم كتابة العقد بينه وبين الريحانى، حيث تم تحرير العقد فى 18 أغسطس عام 1918، وهو نفس تاريخ ميلاده.
تشير عطية عادل خيرى إلى أن جدها تنازل عن حلمه فى التمثيل بسبب تفوقه فى الكتابة خاصة مع عدم وجود نصوص جيدة: «الفرق اللى بدأ فيها قالوله كلنا بنعرف نمثل لكن أنت الوحيد اللى بتعرف تكتب، ورغم ذلك مثل فى بعض الأعمال مع فرقة الريحانى إنقاذاً للموقف إذا حدث أى طارئ».
وهو ما أوضحه بديع خيرى فى أحد لقاءاته قائلا: «كنت أمثل للضرورة، ومثلت فى المسرح والسينما مع الريحانى، وشاركت فى فيلم بسلامته عاوز يتجوز».
تتحدث حفيدة بديع خيرى عن قوة العلاقة التى جمعت جدها والريحانى، قائلة: «نشأت بينهما علاقة صداقة وأخوة كبيرة ولم يختلفا أبدا، حتى أن نجيب الريحانى سمى ابن شقيقه بديع باسم والدى»
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة