كثيرا ما نقول إن مصر ينقصها التخطيط للمستقبل بالقدر الكافي، وكثيرا ما نتحسر على أن هناك العديد من الدول التي تستشرف آفاق المستقبل وتحسب حساب كل صغيرة وكبيرة، بينما نحن مازلنا في مربع رد الفعل، وفي الحقيقية يجب أن نؤكد هنا أن مصر الآن تغيرت بشكل كبير، وأنها أصبحت دولة قادرة على التعامل مع الأزمات بكل همة ورقي بفضل عزيمة الرئيس عبد الفتاح السيسي وتفاني مؤسسات الدولة الحية في التعامل مع الحاضر والمستقبل، لكن هذا لا يمنع من تخصيص إحدى مؤسسات الدولة لترسيخ هذه العقيدة، عاملة على تجنب المصائب الكبرى ووضع السيناريوهات المحتملة لجميع أنواع الحالات الطارئة، بل والأهم من هذا هو أن ترى المستقبل بعيون منفتحة، وأن تخطط لمستقبل مصر خلال القرن القادم من الزمان، وأن تحلم بصورة مصر بعد مائة عام وأن تعمل على تحويل هذا الخيال إلى حقيقة بأن تمهد له الأرض ولا تسمح للواقع أن بتجنى عليه، لنصل إلى اليوم الذي يشكرنا فينا أولادنا وأحفادنا على ما خططنا له وما أنجزناه لهم، بدلا من أن يلعنوننا.
الدستور والقانون منحا مجلس الشيوخ اختصاصات واسعة، وأقصد هنا بكلمة واسعة أي فضفاضة، ومن الممكن استغلال هذه الكلمات الفضفاضة لإضفاء الكثير من الحيوية على هذا المجلس الموقر الذي من المنتظر أن يضم نخبة كبيرة من صناع القرار وأصحاب الخبرات في كل مجالات الحياة، فلو نظرنا إلى نصوص القانون سنرى أن من حق المجلس أن يتداخل في كل مناحي الحياة، وخليق به أن يكون مجلس حكماء مصر الأول والمنبع والمصب لكل الأفكار الجيدة والأطروحات الجادة المبشرة، فالمجلس بختص بدراسة واقتراح ما يراه كفيلاً بتوسيد دعائم الديمقراطية، ودعم السلام الاجتماعي وكذلك يختص بدراسة المقومات الأساسية للمجتمع وقيمه العليا والحقوق والحريات والواجبات العامة، وتعميق النظام الديمقراطي، وتوسيع مجالاته، وقد نص القانون على أن يأخذ رأي المجلس في الاقتراحات الخاصة بتعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور، ومشروع الخطة العامة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، وكذلك معاهدات الصلح والتحالف وجميع المعاهدات التي تتعلق بحقوق السيادة، ويؤخذ رأيه كذلك في مشروعات القوانين ومشروعات القوانين المكملة للدستور التي تحال إليه من رئيس الجمهورية أو مجلس النواب، ولعل أهم ما في اختصاصات المجلس هي الاختصاصات المتعلقة بعلاقته مع الرئيس، فأولا من حق الرئيس أن يحيل إليه ما يراه مهما مسائل بالسياسة العامة للدولة داخليا وإقليما وعالميا، وكذلك نص القانون على إبلاغ رئيس الجمهورية ومجلس النواب برأيه في هذه الأمور.
من هذه الصلاحيات نكتشف أننا أمام مجلس واعد، ولأن الهيئات في مصر تستمد قوتها من رأسها فأتوقع أن تكون هناك مسئولية كبيرة على اختيار اسم رئيس المجلس القادم، ونحن نعرف جيدا كيف تغير دور مجلس الشورى السابق بتغير رؤسائه، وفي الحقيقة فإني استبشر خيرا بمجلس الشيوخ الجديد لأني اعتبره منذ الآن في عهدة الرئيس عبد الفتاح السيسي، فللمجلس أن يرفع ما شاء من تقارير ومشاريع قوانين إلى الرئيس مباشرة وفي أي وقت وفقا لاختصاصاته، وللرئيس الحق في أن يكلف المجلس بالملفات التي يراها، ولهذا فإني أثق في هذا المجلس ثقة تامة نابعة من ثقتي في الرئيس عبد الفتاح السيسي.
أملي الآن أن يتحول هذا المجلس إلى "بيت العقل" المصري، فيه يتباحث الخبراء ويتوصلون إلى ما شاؤوا من قرارات ويصدروا ما شاؤوا من توصيات، أملي أن يتحول هذا المجلس إلى قاعدة لإطلاق الأفكار الكبيرة بأن يقوم بمراجعة أسباب نهوض العديد الدول وأن يستلهم التجارب المهمة في العالم كله وأن يضيف إلى الخبرات المصرية الكثير من خبرات الأمم التي استطاعت أن تحقق طفرات اقتصادية أو سياسية أو علمية أو ثقافية، ولا يشترط هنا أن نستلهم التجارب الملهمة من الدول الكبرى فحسب، فربنا تكون هناك تجربة جيدة في دولة صغيرة أدت إلى إنعاش قطاع ما أو إحداث تطوير في مجال ما دون أن ينعكس هذا على الدولة ككل، فلماذا لا استعير تلك التجربة من هنا في الزراعة مثلا وتلك التجربة من هناك في الصناعة فيكون حاصل هذا وذاك تطويرا في الزراعة والصناعة؟
أملى أن يدرس المجلس الجديد أفكارا قوية تخالف الواقع عن قصد أو بدون، فمثلا أنا لا أرى مانعا في أن نفتح جامعاتنا لاستقدام الأساتذة الأجانب من كل مكان، ولا أرى مانعا في أن نفتح المجال أكثر وأكثر لإرسال البعثات من الخارج، وهذا ما فعله محمد علي باشا حينما أراد أن يبني مصر الحديثة، وبفضل هذه الاقتراحاتئ الواعدة التي خرجت من شيخ الأزهر التنويري العظيم حسن العطار أستاذ رفاعة الطهطاوي، فلماذا لا يتحول هذا المجلس الجديد إلى مجلس "شيوخ" كثر من حسن العطار؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة