أكرم القصاص - علا الشافعي

د. إبراهيم نجم

آيا صوفيا والتجارة بالدين

الأربعاء، 15 يوليو 2020 10:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا يكف أردوغان عن الأسلوب الرخيص بمداعبة المشاعر وارتكاب الحركات  البهلوانية التى تعجب بعض المهووسين به الذين يعتبرونه فاتحا إسلاميا يعمل على استعادة الخلافة العثمانية ويستعيد أمجاد المسلمين، وما هو إلا نمر من ورق يدعى أمجادا وفتوحات وهمية لا وجود لها على أرض الواقع
 
ومن هذه الأوهام تحويله متحف آيا صوفيا إلى مسجد وكأنه يتقمص دور القائد محمد الفاتح، ونحن إذا أردنا أن نتأمل فى هذه المسرحية ينبغى أن ننظر لها من ناحية الغرض السياسى الذى توخاه أردوغان من خلال هذا التحويل، فكل المؤشرات والدلالات والسياقات تؤكد أنه حدث سياسى بحت واستهلاك إعلامى بامتياز ومحاولة للظهور بمظهر البطل الذى يحمى المقدسات ويستعيد الأمجاد.
 
نعم لقد انطلى هذا المشهد الهزلى بهذه الصورة على بعض السذج والمتعاطفين دون أن يقرأوا الحدث بعناية، وينظروا إلى عواقبه ومآلاته الخطيرة، بعض من تناول هذا الأمر تناوله من الناحية التاريخية أو الفقهية باحثا عن مشروعية أو عدم مشروعية اتخاذ القائد محمد الفاتح من هذه الكنيسة مسجدا للمسلمين، وهل اشتراها محمد الفاتح بالمال أو اتخذها عنوة مقابل ما انتزع من المسلمين من مساجد فى غرناطة وغيرها، كل هذا جدل تاريخى عقيم لا جدوى منه ولا فائدة فى الواقع لأنه يبتعد بنا عن السياق الحقيقى لهذه اللعبة الخطيرة، فالأمر أمر سياسى بحت، يراد منه تلميع صورة أردوغان أمام الشعب التركى والتغطية على هزيمته النكراء فى قاعدة الوطية الليبية وفشله فى إحراز أية مكاسب عسكرية على أرض المعركة، فأردوغان سياسى محتل فاشل لا يهتم إلا بالنظر تحت قدميه بتحقيق مكاسب وهمية حتى لو جاءت على حساب المسلمين، والذين هللوا لأردوغان وباركوا صنيعه لا يعلمون أن أردوغان قدم للاحتلال الإسرائيلى أكبر مسوغ لتهويد القدس وتحويل مساجدها إلى معابد وعلى رأسها المسجد الأقصى الذى تعمل إسرائيل ليل نهار على تهويده وتخريب أساساته تمهيدا لهدمه، وتحويل كنيسة آيا صوفيا إلى مسجد يجعل إسرائيل تمضى قدما فى هذا الاتجاه، وربما تتخذ بعض الدول الأوروبية التى تسمح ببناء مساجد للمسلمين من باب حرية ممارسة الشعائر الدينية إجراءات فى هذا الإطار أيضا حيث استفزأردوغان مشاعر المسيحيين على مستوى العالم من جميع الطوائف الذين اعتبروا تحييد آيا صوفيا بعيدا عن كونه كنيسة أو مسجد أمرا وسطا مرضيا لجميع الأطراف، لأنه كان فى الأصل كنيسة كبيرة ورمزا دينيا للدولة البيزنطية، ثم تحول إلى مسجد فى سياق تاريخى معين وقرار سياسى من السلطان محمد الفاتح لابد أن يفهم فى سياقه.
 
والذى فعله أردوغان ربما يفتح النار على المسلمين فى أماكن كثيرة فى العالم، وعلى كل حال لابد أن نعترف أن العبث بأماكن العبادة واستغلالها فى الأغراض السياسة أمر مرفوض من كل جهة، ولابد أن نعترف أن أردوغان له مشروع استعمارى فى كثير بعض الدول التى استهلكت جيوشها فى معارك وفتن داخلية كان هو ضالعا فى تدبيرها بإثارة الفتن وتمويل المرتزقة الدواعش وغيرهم ودعمهم بالمال والسلاح والخطط، ولما تهاوت جيوش تلك البلاد كان من السهل على الجيش التركى أن يدخل بكل خسة إلى بعض المناطق فى هذه البلاد العربية ويحتل بكل وقاحة بعض هذه المناطق لينهب ثرواتها من البترول والغاز، ويزيد من رقعة دولته المحتلة على حساب انتزاع بعض المناطق من أحضان وطنها الأم، ناهيك عما ارتكبه من جرائم تعطيش بحق هذه الشعوب بتحويل مياه أنهارها إلى الأراضى التركية، وكل هذه حروب تتسم بالقرصنة وبالخسة، والآن الوضع فى ليبيا مختلف تماما، ففى أول اختبار للعسكرية التركية يتلقى أردوغان صفعة قوية من طائرات مجهولة حتى الآن دمرت منصات صواريخ الدفاع الجوى فور نصبها على قاعدة الوطية المحتلة من قبل الجيش التركى، موقف لا يحسد عليه فى أول تحد عسكرى جاد يواجهه الجيش التركى فى المنطقة الليبية، وفضيحة استخبارتية من العيار الثقيل وإلى أن يجد أردوغان مخرجا من هذه الكارثة وطريقة لغسل عاره، فلابد أن يفعل الشىء الوحيد الذى يجيده كشأن كل قادة التنظيمات الإرهابية الحركات البهلوانية والأدوار المسرحية الفاشلة، التى تدغدغ مشاعر المتدينين البسطاء الذى سيفرحون حتما بافتتاح المسجد دون التفات لما وراء الحدث وتوظيفه سياسيا وعسكريا للتغطية على هزيمة لن تغسلها كل مياه البحر المتوسط الذى غرق فيه أردوغان ولن يخرج منه إلا بالهزيمة المنكرة كأى محتل غاصب جائر، فمهما كان موقفنا الشرعى أو التاريخى من قضية افتتاح المسجد لا ينبغى أبدا أن نستهلك فى جدال من هذا النوع، لأننا بذلك نعطى أردوغان ما أراد وخطط له، أن تتحول القضية إلى قضية دينية بين مسجد وكنيسة أو متحف، وبين مسيحية علمانية وإسلام، وبين أئمة الكفر وحامى حمى الإسلام، فمهما اشتعل الخلاف والصراع فى هذه الجهة فقد تحقق للطاغية المجرم المحتل ما أراد من محاولة غسل العار وحفظ ماء الوجه، أو ربما كان هذا للتمهيد والإعداد لمصيبة ما فى الشأن الليبى يريد أن يوفر له الغطاء الجماهيرى والدعم الدينى الذى يبذله له دوما ومجانا وعلى حساب أوطانهم جماهير الإخوان الساذجة الذين يحركهم التنظيم بعد أن سلب إرادتهم وغيب وعيهم وسرق عقلوهم وقتل فيهم كل شعور بالانتماء أو الوطنية، لقد ذكرنا مرارا وتكرارا أن معركتنا فى المقام الأول هى معركة وعى، ومن مقتضيات الوعى أن نفهم الواقع السياسى على ما هو عليه، فأردوغان ليس سوى رجل ذى أطماع استعمارية تحوم كلها حول أبار البترول والغاز، وقد تبدو عليها حالة واضحة من الشره والطمع بعدما انفتحت شهيته فى بعض الدول التى اغتصب قطعا من أراضيها وثرواتها، وظن أن فى ليبيا الشقيقة الصيد السمين، ووجد من خونة الأوطان ممن باعوا دينهم وأوطانهم من أبناء هذه البلاد أكبر داعم على انتهاك حرمات بلادهم، والقضية لا علاقة لها لا بالمساجد ولا بالأديان، وإلا فإن تركيا نفسها بدستورها العلمانى الصرف وبجميع مظاهر الفساد والانحلال الأخلاقى تحتاج إلى بذل مجهود كبير لأجل إعادة روح الشريعة الإسلامية الغراء إلى ربوعها، فمن غير المنطق أن ينطلق أردوغان من بلد لا تطبق شيئا من الإسلام لا ظاهرا ولا باطنا، ليزعم أنه سوف يطبق الإسلام فى بلاد إسلامية فى دساتيرها وقوانينها وشعوبها التى تلتزم بالإسلام ظاهرا وباطنا وتعمر مساجدها بالعباد ومعاهدها العلمية بطلاب العلم الشرعى، هذا من السخف الذى لا ينطلى إلا على الأغبياء والسذج الذين ينقادون خلف قادة التنظيمات الإرهابية انقياد الأعمى للأعمى.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة