بالرغم من وضوح الرؤية المصرية تجاه كرات اللهب المتدحرجة فى الإقليم، ظلت هناك أسئلة مطروحة عن التعامل مع التحولات على الحدود والجوار والتى تتعلق بالأمن القومى.
ونظن أن التحولات المتسارعة تقدم إجابات عن أسئلة مطروحة طوال السنوات الأخيرة وأهمها أسباب سعى مصر للتوسع فى التسلح وتنويع مصادره.
كانت بؤر التوتر تتسع وكرات اللهب تشير إلى احتمالات متعددة لصدام، تركيا ظلت تلعب حربا بالوكالة فى سوريا والعراق ومع داعش والقاعدة والتنظيمات الإرهابية، ولم يكن الرئيس التركى أردوغان ومعه قطر بعيدين عن دعم المرتزقة فى ليبيا والتحالف معهم، لكن لم تتحقق نتائج على الأرض وهو ما دعا إلى تدخل بالغزو لمساندة الميلييشيات المتعددة، بل إن أنقرة لعبت دورا فى إبعاد السراج عن الجيش الوطنى بعد أن بدت هناك إشارات تحرك مشترك نحو الحل السياسى.
مصر كانت واعية لكل هذا، ولهذا فقد كانت قناة الجزيرة وتوابعها فى قطر وتركيا طوال سبع سنوات يحاولون التشكيك فى أهمية تحديث وتسليح القوات المسلحة المصرية، وشنت قطر من خلال أدواتها من منظمات ومراكز أبحاث ومواقع حملات ضد القوات المسلحة المصرية، فشلت كلها، لكنها كانت كاشفة عن مساع مستمرة للتشكيك فى القوات المصرية.
اليوم بدت الأمور أكثر وضوحا، والحملات التى هاجمت تحديث مصر لقواتها كانت تمهد للحظة التى يقرر فيها أردوغان غزو ليبيا. اليوم هناك وضع دقيق أمام الجيش الوطنى الليبى، الذى يواجه عدوانا وغزوا تركيا متحالفا مع مرتزقة وميليشيات وأنصار الغزو، على رأسهم تنظيم الإخوان الجاهز دائما لمساندة الغزاة.
الغزو التركى يضع المنطقة على شفا مواجهة عسكرية وصدام كبير، خاصة وأنه يتماس ويمثل تهديدا للأمن القومى المصرى بشكل مباشر، فى مواجهة مصر.
وما يجرى الآن على جبهة الغرب، جزء من سياقات توقعتها مصر بشكل كبير، واستعدت لها القيادة المصرية مبكرا، قبل سنوات لم تكن هذه التطورات ظاهرة كما هى الآن، لكن الرئيس عبدالفتاح السيسى كان واضحا دائما فى توقعات ما يجرى.
كان ظاهرا لمن يتابعون بعمق الربط بين تحولات الشرق الأوسط وفى دول مجاورة لنا حدوديا او إقليميا، كل هذا ومصر متيقظة لما يجرى ومحاولات تشكيل واقع جديد بالقوة أحيانًا وبالخطط والتحركات طوال الوقت.
هناك خطط وتقسيمات كانت تبدو حتى وقت قريب نوعًا من الخيال، اتخذت اتجاهات مختلفة، خاصة مع وجود تنظيمات وجماعات متطرفة، تخوض هذه الحروب بالوكالة على الأرض، تساندها كتائب دعائية. وربما تصور الرئيس التركى أردوغان أنه يمكنه تطبيق تجاربه السابقة فى سوريا والعراق على الواقع الليبى، بعيدا عن اختلاف جغرافى واستراتيجي.
وخلال تسع سنوات جرت عمليات نهب واسعة لثروات الشعب الليبى عبر وكلاء الإرهاب، حيث تمثل هذه التنظيمات مثل داعش والقاعدة وتنظيم الإخوان وعشرات التنظيمات والعصابات المسلحة مصالح الممولين مثلما كان الوضع فى سوريا والعراق، حيث كانت ليبيا أحد الملاذات المهمة للدواعش الفارين من الشام، بل إنه تم نقل أعداد من المرتزقة والإرهابيين إلى ليبيا فى أعقاب هزيمة هذه التنظيمات فى سوريا والعراق. ما يدور فى غرب مصر يؤثر بشكل كبير فى سياقات الحالة الأمنية والجيوسياسية، وأى حديث عن عملية سياسية تعيد لليبيا استقرارها، لن ينجح من دون التخلص من التنظيمات الإرهابية المتعددة، والتى يديرها وكلاء تركيا وقطر.
مصر سبق لها وأكدت أنها ضد التدخلات الخارجية فى ليبيا، وأنها مع استعادة سلطة الدولة، وامتلاك الليبيين لسلطاتهم وثرواتهم، لكن هذا يصطدم مع مصالح ميليشيات ووكلاء مع تدخل تركى مباشر فى محاولة لتغيير خرائط السلطة والثروة، وحتى لو أدى الأمر إلى تقسيم ليبيا.
لقد كانت مصر طوال هذه السنوات تتوقع ما يجرى اليوم، وبالرغم من حرصها على عدم التدخل أو العدوان، فهى تتمسك بحقها فى حماية أمنها القومى، وتدرك حجم التدخلات والمصالح المتشابكة والمتقاطعة فى ليبيا، وفى حالة استمرار الغزاة الأتراك فى تحركاتهم لتجاوز الخط الأحمر، فهم يشعلون نار الحرب، والتى لا يمكن توقع نهايتها، مع تصميم مصر على حماية أمنها القومى بحسم.