على الرغم من أن الديكتاتور التركى رجب طيب أردوغان قد وضع تحويل كاتدرائية آيا صوفيا في مدينة إسطنبول إلى مسجد، كأحد أولويات البرنامج الذى تقدم به حزب العدالة والتنمية الحاكم في أنقرة، خلال الانتخابات البلدية الأخيرة، في حال فوز مرشحه بن على يلدريم، إلا أن النتائج كانت مهينة للنظام الحاكم، حيث خسر المدينة الأهم، لصالح مرشح المعارضة أكرم إمام أوغلو، في صفعة تبدو أحد أكبر المؤشرات على بداية السقوط.
ولعل قسوة الصفعة التي تلقاها أردوغان ونظامه في إسطنبول، قبل أكثر من عام، تتجلى، ليس فقط في أهمية المدينة التاريخية، باعتبارها العاصمة الاقتصادية لتركيا، أو حتى مكانتها التاريخية كعاصمة الخلافة العثمانية، التي يراهن على إحيائها، وإنما أيضا في ازودواجيتها، حيث أن مرشح النظام خسر المدينة مرتين خلال عدة أسابيع، بعدما أصر الديكتاتور على أن يضرب بقواعد الديمقراطية، التي طالما تشدق بها، عرض الحائط، ليعيد الانتخابات في المدينة، رغم الهزيمة الأولى، لتكون الضربة الثانية، ليست مجرد صفعة انتخابية، قد تتلقاها العديد من الأنظمة في مختلف دول العالم، وإنما بمثابة رسالة تحذير من الشعب التركى، مفادها أنه لم يعد بإمكانهم التلاعب بهم من جديد بشعارات دينية زائفة، أو مسكنات لا قيمة لها، يحاول الديكتاتور الخروج بها عليهم لتغييبهم عن الواقع المأساوى.
إلا أن رسالة الأتراك إلى الديكتاتور يبدو وأنها لم تصل له بشكل جيد، في ضوء معطيات عدة، ليس أهمها قيامه بتحويل "آيا صوفيا" إلى مسجد، وهو ما يعنى أنه مازال يسير على نفس الخط الخطابى، والقائم على تنصيب نفسه "حاميا" للدين، لدغدغة مشاعر القطاع المتدين من الشارع التركى، وإنما في استمرار المقامرات الإقليمية التي يخوضها أردوغان، التي من شأنها إثارة حالة من الغضب، سواء في الداخل والخارج، وهى السياسات التي غالبا ما يدفع ثمنها المواطن، في ظل انعكاساتها الخطيرة على الاقتصاد، والذى بات يعانى أزمة كبيرة منذ سنوات، دون تقدم ملموس.
فلو نظرنا إلى حالة الغضب التي أفقدت حزب أردوغان ولايته على أهم المدن التركية، سواء كانت إسطنبول، أو حتى العاصمة أنقرة، والتي تعد مركز الحكم في البلاد، نجد أنها ترتكز في الأساس على تدهور الأوضاع الاقتصادية، بالإضافة إلى حملات القمع المتواصلة التي استهدفت المعارضة، في الداخل، بالإضافة إلى الحماقات الدولية التي ارتكبها الديكتاتور، خاصة في سوريا، في ظل دعمه للتنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها داعش، لتحقيق طموحاته التوسعية، وإحياء حلم "الخلافة" المزعومة.
وهنا يصبح استمرار السياسات التركية، عبر مواصلة القمع واستهداف المعارضة في الداخل، بالإضافة إلى توريط الجيش التركى في مقامراته، والتى امتدت إلى الأراضى الليبية، بمثابة دليلا دامغا على فشل الرجل في إدراك طبيعة المرحلة الحالية، التي يشهدها نظامه، الذى يتهاوى بينما مازال يراهن على أدواته القديمة، القائمة على استخدام ورقة الدين، لاستقطاب البسطاء من بنى شعبه.
تحويل "آيا صوفيا" إلى مسجد ليس أكثر من محاولة جديدة، بأسلوب قديم، يسعى من خلالها أردوغان لتقديم خطاب عاطفى، يمكن من خلاله استقطاب المريدين، في الداخل، معتمدا، في الوقت نفسه، على أنصاره من التنظيمات الإرهابية، الذين طالما يباركون مثل هذه الخطوات التي يتخذها "حامى حمى" الدين المزعوم، إلا أنه لن يلقى قبولا كبيرا في الشارع التركى، خاصة وأن الرجل خرج فعليا عن إطار العقل والزمن، وبات يستعيد أوراقه القديمة التقليدية، لعلها تعيد إليه بعض الزخم المفقود.