وسط زحام مواقع التواصل أصبح البعض يستسهل القيام بدور المحلل والمراقب، وغالبا يستقى معلوماته من بوستات او من قنوات مواقع مختلة، ويبدو بالفعل أن مواقع التواصل تصنع لدى البعض حالة من «التعالم»، تصل إلى «الهبد»، على لرغم من أن نفس هؤلاء المدعين كثيرا ما يشيرون إلى فخ منصوب أو محاولات استدراج أو تسريبات تهدف لانتزاع تصريح غاضب أو تهديد منفلت لتبدأ فى البناء عليه، ومع إدراك هؤلاء لوجود مخططات وتحركات وعلاقات وتشابكات، فهم يتجاهلون هذا عندما يصابون بأعراض «الهبد».
ومن يتابع بشكل واضح التحركات المصرية يعرف أن هناك سياسة مصرية ثابتة واضحة، تقف على أرض صلبة من دون إفراط فى التصريحات أو استجابة لاستفزازات أو تسريبات تدخل فى سياق «لعب عيال».
فيما يتعلق بمحاولات تركيا وتحالفها مع ميليشيات ومرتزقة، فإن تركيا تدخل للمرة الأولى فى مواجهة مباشرة، وليس كالسابق، فقد ظلت التدخلات التركية تتركز فى المناطق الخالية من النفوذ، أردوغان تدخل فى سوريا على خلفية حرب أهلية وتنظيمات إرهابية، وفى العراق نفس الشىء، وطوال سنوات تدخلت تركيا بشكل غير مباشر بنفس الطريقة مع الميليشيات والتنظيمات الإرهابية، لكن الوضع يختلف فى ليبيا، ظلت تلعب مع الميليشيات وعند لحظة حاسمة أصدرت مصر تحذيرات واضحة بخطوط حمراء.
عندما تحدث الرئيس السيسى لدقائق من المنطقة الغربية، اشتعلت قنوات الجزيرة وتوابعها بحملات تعبر عن هيستيريا، وليس عن مواقف وتحليلات، بينما الطرف الرئيسى فى تركيا وداخل ليبيا يعرف أن مصر عندما تحذر فهى تعنى ما تقول. ونفس الأمر فيما يتعلق بما يجرى فى إثيوبيا وسد النهضة. القاهرة تترك الأطراف والمنصات الدعائية تتحدث وتقدم خبراء ومزاعم وتحريضا وتلاعبا وتزييفا للمعلومات واستعانة بخبراء ملاكى يقولون ما تريدهم القناة أن يقولوه، وتتحرك تجاه أهدافها بشكل واضح.
كل هذا يعرفه أى متابع بسيط، أو محترف، لكن طبعا لدينا أطراف تتحدث من دون تفكير ومنهم للأسف أساتذة علوم سياسية يتحدثون عن الحرب ولا يرون أن الصراع قائم ومستمر، ولا يعرف كثيرون الفرق بين خطط وتحركات استراتيجية ومعارك صامتة وبين بوستات مجانية وعنعنات متقاطعة. منهم من يتساءل «لماذا نصمت.. لماذا لا يتحدث المسؤولون.» وهى أسئلة تكشف عن سطحية وادعاء أكثر مما تشير لرغبة فى المعرفة، وهى نفس سلوكيات بعض «العمقاء» الذين كانوا يلومون عدم الإعلان عن خطط مواجهة الإرهاب، كأن الدولة مطالبة أن تعرض على «خبراء الولا حاجة» خططها كل لحظة حتى يوافقوا عليها ويقروا ما فيها.
مصر تصمت، لكنها لا تتوقف عن التحرك، وهو صمت محير للأطراف الأخرى. ومن يتابع التحركات المصرية فى الغرب يدرك معنى هذا الكلام، وخلال 72 ساعة فقط تحركات جهات أمريكية وغربية لوقف صدام محتمل، وأردوغان لا يمثل نفسه، لكنه يدير حربا بالوكالة، وهو نفسه يعمل لصالح أطراف أخرى دولية وإقليمية، ومن يتابع تصريحات وزير خارجية تركيا التى حشر فيها كلام عن اتصالات بمصر أو أخبار مصر، ورد القاهرة الحاسم، يعرف كيف تتعامل مصر بوضوح ومن دون أى اتفاقات جانبية.
وحتى عملية تسريب أخبار عن بدء إثيوبيا ملء السد، ثم نفى أديس ابابا، كان الهدف منه طبعا جر «المرجفين» من عقماء الولا حاجة، لينصبوا حالة من الهرى الفارغ، رهانا على أن تنصرف مصر عن الصراع فى الغرب وهو ما لم يحدث.
الشاهد فى هذا، أن مصر تتعامل طوال سبع سنوات وأكثر وسط كرات اللهب المتدحرجة فى الإقليم، ولديها القدرة على التعامل بقوة فى هذه الملفات، وهى أمور يدركها المواطن العادى، لكنها تغيب وسط صراخ المدعين والمرجفين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة