رغم إنه بدأ حياته مشاغباً فى مدرسة المشاغبين، فإنه كان ولا يزال مختلفا، يحمل الكثير من صفات اسمه، هادئا لا يتحدث كثيرا، يعمل ويبدع ويترك أعماله لتتحدث عن قوة موهبته، حين تستمع إليه أو تراه وتستمتع بأدواره المختلفة والمتنوعة، تشعر بأنه خير ممثل للطبقة الوسطى، يستطيع التعبير عنها، سواء بارتدى جلباب ليؤدى أدوار الفلاح والصعيدى والمعلم ابن البلد، أو ارتدى قميص وبنطال ليعبر عن حال الموظفين والمثقفين والعمال، فيستطيع بقدرة فائقة أن يجسد كل الانفعالات والأحاسيس، وأن تصدقه فى كل الشخصيات.
اسمه على تتر العمل شهادة ضمان مسبقة تؤكد جودته، لأنه لا يقبل إلا ما يراه جيدا صالحا لأن يدخل البيوت، قريبا من حياة الناس ومعبرا عنهم، لذلك كانت معظم الأعمال التى شارك فيها، علامات فى تاريخ الدراما المصرية، ومنها «المال والبنون، سوق العصر، الراية البيضا، ومازال النيل يجرى، أبناء ولكن، العصيان، الوجه الأخر، كفر دلهاب، شارع عبدالعزيز، وسلسال الدم، أبو ضحكة جنان، الملك فاروق، سعد اليتيم، حق ميت، الأسطورة»، وغيرها مئات الأعمال.
هادى الجيار..اسم لفنان كبير من العيار الثقيل، يحمل تاريخا فنيا ثريا يتجاوز 50 عاما منذ بدأ حياته الفنية بداية السبعينيات، ولفتت موهبته أنظار أساتذته فى المعهد العالى للفنون المسرحية، فرشحوه لعدد من الأعمال، كان أشهرها مسرحية مدرسة المشاغبين التى أدى فيها دور «لطفى»، وبعدها انطلق فى مسيرته الفنية الزاخرة، التى استطاع خلالها الإجادة فى أدوار الخير والشر، ولم ينحصر فى لون واحد.
أجرينا حوار مع الفنان الكبير هادى الجيار، تحدث خلاله عن بداياته وأعماله ونظرته للفن، وكشف خلاله تفاصيل علاقته بالزعيم عادل إمام، وأسباب ابتعاده عن السينما، وتركيزه فى الدراما التليفزيونية، وعن حالته الصحية بعد الوعكة التى تعرض لها نهاية العام الماضى.
تواضع الموهوبين
يتسم الفنان هادى الجيار بالتواضع الشديد، فلا يجيد الحديث عن نفسه أو موهبته، ولذلك تجده مقلا فى الحوارات الصحفية والتليفزيونية، يقتضب فى الإجابات عن الأسئلة، وحين يجيب، تدرك أنه فنان مثقف واع مدرك لهدفه، يعرف ما يريد أن يقدمه، ويدرك تماما رسالة الفن فى التعبير عن الواقع ورسالة الفنان الحقيقى، الذى يعتمد على موهبته فقط، لذلك يحزنه النظرة السطحية التى ينظر بها البعض للفنان ولحياته.
فى بداية الحوار، أكد الفنان الكبير هادى الجيار على استقرار حالته الصحية وتعافيه من آثار الوعكة الصحية، التى ألمت به فى نهاية العام الماضى، بسبب إصابته بالتهاب رئوى دخل على أثره العناية المركز، قائلا: «الحمد لله أنا دلوقت بخير وحالتى مستقرة»، مؤكدا أنه لا يرتبط بأى عمل فنى حالياً، وكان آخر أعماله المشاركة كضيف شرف فى مسلسل فلانتينو، الذى عرض رمضان الماضى مع الزعيم عادل إمام، رفيق بداية المشوار الفنى وزعيم فريق المشاغبين، كما عمل معه فى مسلسل عوالم خفية.
البدايات والمشاغبين
فى أحد الاستديوهات كانت بداية عشق الفن، حين دخل الطفل الذى لا يتجاوز عمره 7 سنوات مع أحد أقاربه، الذين يعملون فى الاستديو، فسحره هذا العالم وقرر أن يدخله...هكذا كانت البداية، كما حكاها الفنان الكبير هادى الجيار، قائلا: « اتولدت فى 28 يوليو عام 1948 ومكانش الوالد ولا الوالدة ولا حد من العائلة عنده ميول فنية، لكن وأنا عمرى 7 سنين حبيت الفن، عندما ذهبت مع قريب لى بيشتغل فى استديو، فدخلت ورأيت هذا العالم وحبيته وقررت أدخله، وشاركت فى فرق الهواة بالمدرسة، ولما خلصت ثانوية عامة، قررت التحق بمعهد التمثيل، وكان دفعتى «محمد صبحى ونبيل الحلفاوى ولطفى لبيب وشعبان حسين».
يؤكد هادى الجيار أن جذوره ليست صعيدية، رغم اعتقاد البعض أنه صعيدى، ولكن يضحك قائلا: «أنا من مواليد القاهرة، ولكن عليا عفريت صعيدى، وبحب كل حاجة لها علاقة بالصعيد، الأدوار الصعيدى والإيقاع والغناء الصعيدى وحتى الطبع الصعيدى».
وتابع مستكملاً تفاصيل بداياته: «خلال دراستى فى المعهد شاركت فى عدد من المسرحيات منها مسرحية القاهرة فى ألف عام، وبعدها طلب المخرج محمد فاضل من أساتذة المعهد يبعتوله ولاد شطار للمشاركة فى مسلسل القاهرة والناس عام 1972 وعميد المعهد والأساتذة رشحونى مع اتنين من زمايلى، فاختارنى من بينهم».
يعود هادى الجيار بالذاكرة ويبتسم قائلا: «كان أجرى فى الحلقة 8 جنيهات، وكان المسلسل فتحة خير وحقق نجاحا كبيرا»
. يحكى عن بداية علاقته بالزعيم عادل إمام وترشيحه للمشاركة فى مسرحية مدرسة المشاغبين: «قابلت عادل إمام لأول مرة فى مكتب محمد فاضل، وكان بيتفق على شغل، فرشحنى للمشاركة فى مدرسة المشاغبين من بداية العمل فى دور لطفى»
وتابع قائلا: «المسرحية استمرت لسنوات وجمعتنا علاقة صداقة أنا وسعيد صالح وعادل إمام، وكنت أعرف أحمد زكى ويونس شلبى من المعهد واتخرجت قبلهم».
يضحك الفنان الكبير وهو يستعيد ذكريات هذه الفترة قائلا:«كان أجرى فى مدرسة المشاغبين 15 جنيها فى الشهر، بمعدل 50 قرشا فى اليوم، وقتها ورونى عقد سيد زيان وفاروق فلوكس، لأنى كنت أول مرة أحترف فى المسرح، وهو ما يعادل مرتب موظف بشهادة جامعية، وكان ده أجرى أنا ويونس وأحمد زكى، وطبعا سعيد وعادل كان أجرهما أعلى، والمسرحية استمر عرضها سنوات، وجمعتنا علاقة صداقة طوال هذه الفترة، وبعد المشاغبين كل واحد شق طريقه فى اتجاه، وبقينا بنتقابل فى المناسبات الاجتماعية والعزاءات».
لقاء الزعيم بعد نصف قرن
يتحدث عن لقائه بالزعيم بعد هذه السنوات الطويلة فى مسلسليه عوالم خفية وفلانتينو: «عادل إمام جزء كبير من تاريخى، ولما اشتغلت معاه كضيف شرف فى المسلسين واتقابلنا، افتكرنا كل اللى فات وكأننا لسه عمرننا 23 سنة، كنت بادخل أوضته ونهزر كتير قبل بدء التصوير ونفتكر ذكرياتنا».
ويقول عن الزعيم:«عادل إمام تاريخ وقيمة كبيرة كممثل مؤثر، وسر نجاحه حب الناس وذكاؤه وجرأته، فى التسعينيات وأثناء فترة العمليات الإرهابية، أخد فرقته وراح يقدم مسرحيته فى أسيوط، وعمل أفلاما عن الإرهاب مفيش ممثل فى مصر عملها».
سألناه عن احتراف معظم أبطال مدرسة المشاغبين وتميزهم فى اللون الكوميدى، واختلافه عنهم، فقال بثقة من يعرف إمكانياته وقدراته: «سعيد وعادل ويونس عندهم إمكانيات «الفارس»، ودى موهبة عظيمة مش عندى، أنا ماقدرش أعمل كوميديا «فارس».
شارك الفنان هادى الجيار فى عدد محدود من الأفلام السينمائية ومنها «ثم تشرق الشمس، احترس عصابة النساء، رحلة المشاغبين»، وكذلك قدم عددا قليلا من الأعمال المسرحية ومنها «مدرسة المشاغبين، ولما قالوا ده ولد، وقصة الحى الغربى، وأولادنا فى لندن، وأحلام ياسمين، والقاهرة فى ألف عام، والسفيرة عزيزة».
التليفزيون خطفنى
وعن تميزه فى الدراما التليفزيونية وأعماله المتعددة، حيث كان شريكا فى نجاح معظم الأعمال الدرامية الشهيرة بعكس مشاركاته القليلة فى السينما والمسرح، قال الفنان الكبير هادى الجيار: «ماشتغلتش كتير فى السينما هما 4 أو 5 أفلام، وعلى العكس حبيت العمل فى الدراما التليفزيونية، التليفزيون خطفنى ولقيت فيه أدوار حلوة قريبة من حياة الناس، واشتغلت مع كتاب كبار كانوا بيرسموا الشخصيات رسما دقيقا، واستمتعت وأنا أؤديها، وحبيت معظم أدوارى، ولو ماكنتش حبيتها ماكنتش عملتها»، وعن إتقانه لهذه الأدوار على اختلافها وتنوعها ومهما اختلفت انفعالات الشخصية، قال: «لما بتجيلى الشخصية بذاكرها كويس، واللى مش فاهمه بسأل عليه المؤلف والمخرج علشان أحدد ملامح الشخصية، وفى الأيام الأولى من التصوير بكون عصبى، علشان ببقى لسه مش عارف الشخصية وبتعرف عليها وأحدد ملامحها».
وتابع: «من بداياتى اتعاملت مع مجموعة أساتذة مؤلفين ومخرجين وممثلين من حظى إنى اشتغلت معاهم، واهتميت بإنى أتعلم منهم وهمه اهتموا بينا ونصحونا وعلمونا بدون صيغة الأستاذ والتلميذ، ولكن بصيغة الإخوة الكبار، ومنهم محمد جلال عبدالقوى وأسامة أنور عكاشة والمخرج مجدى أبوعميرة والفنانين صلاح قابيل وعبدالله غيث وغيرهم».
راض ومش ندمان
لا ينشغل الفنان الكبير هادى الجيار بموضوع البطولة المطلقة، وكل ما يهمه جودة الدور والشخصية، وأن يقتنع بها ويجيد أداءها، فتترك أثرها عند المشاهد قائلا: «البطولة الجماعية التى يكون كل فنان فيها يؤدى دوره المناسب ويتقن أداءه، هى انعكاس للحياة وللواقع بشخوصه، فالحياة ليست فيها بطل واحد، وكل منا يؤدى دور».
وبقناعة ورضا يعكس الكثير من صفاته قائلا: «ماندمتش على عمل عملته ولا عمل معملتوش، لأن اللى من نصيبى اشتغلته واللى مش نصيبى ماشتغلتوش، وراح لغيرى»، وبتواضع شديد قال: «ماقدرش أقول إن الدور اللى عملته غيرى مكانش يقدر يعمله زيى، وممكن كان غيرى يعمله أفضل، لكنى دايما بجتهد علشان الشخصية تكون طبيعية ومعبرة وحقيقية».
وأشار إلى سر بقاء وارتباط الجمهور بمسلسلات وأدوار معينة وشغفه لمشاهدتها مهما تكررت قائلا: «اللى بيخلى الأدوار والمسلسلات تعيش إن موضوعاتها من البيوت وبتهم الناس والشخصيات قريبة من الواقع، والناس وهى بتتفرج بتشوف حياتها وواقعها، وكلما كانت الموضوعات قريبة من الناس بيحبوها ويصدقوها»، وأردف قائلا: «دلوقت بيعتمدوا فى بعض الموضوعات مثلا على الأكشن والمطاردات والعربيات اللى بتجرى ورا بعض وبتتكسر، عمرك شفتى ده فى شوارعنا؟ علشان كده الناس مش بتقتنع بالموضوع ومش بتصدقه والأعمال مش بتعيش»، ويشير الفنان الكبير هادى الجيار إلى أننا نعانى من أزمة فى الكتابة، قائلا: «الأول الكتاب كانوا بياخدوا وقت فى الكتابة علشان يخلقوا ملامح وتفاصيل لكل شخصيات العمل، وعلشان كده كانت الناس بتصدقها وبتقتنع بالعمل وبيعيش، شوفى أسامة أنور عكاشة كان بياخد وقت وجهد كبير علشان يكتب عمل، وحاليا هناك بعض الكتاب بيهتموا بتفاصيل العمل، ومنهم على سبيل المثال باهر دويدار مؤلف مسلسل الاختيار، ولذلك تحقق هذه الأعمال نجاحاً كبيراً».
ومثلما شارك الفنان الكبير هادى الجيار نجوم الفن الكبار فى العديد من الأعمال الفنية، شارك عددا من النجوم الشباب ومنهم محمد رمضان ويوسف الشريف وعمرو سعد، ويقول عن جيل الشباب: «معظم الشباب والبنات اللى بيمثلوا النهاردة موهوبين، ومانقدرش نقول إن الموهبة قاصرة على الأجيال االسابقة».
الإعلام والنظرة للفنان
وبلسان من عانى وجاهد فى حياته الفنية، ولم يكن مشواره مفروشاً بالورود، أجاب عندما سألناه هل يمتلك أحد أبنائه أى ميول فنية: «عندى بنتين تخرجا من كليتى الإعلام والتجارة، ورفضت حد فيهم يحترف التمثيل لأن الشغلانة صعبة جدا»، وتابع: «المخرج إبراهيم الشقنقيرى عرض على ابنتى الكبيرة دورا فى مسلسل، ورفضت أن تمثل، لأن التمثيل مهنة شاقة جدا، بنقعد نمثل للفجر، فى عز الحر وعز التلج والناس مش متخيلة معاناة الفنان، كل كلامهم عن الفنانين ساكنين فين وبياخدوا كام».
وبمرارة قال: «الإعلام خلق صورة لا تعبر عن جموع الفنانين، والناس فاكرة إن كل الفنانين عندهم شاليهات فى الساحل الشمالى وساكنين فى فيلات فخمة، وأجورهم خيالية وبالملايين وبيعبوا فى الفلوس، وكأن الفنان كائن مختلف مرفه»، وتسائل قائلا: «انتم كإعلاميين كلكم بتاخدوا ملايين؟!! هما كام واحد اللى بياخدوا الأجور دى، سواء فى الفنانين أو الإعلاميين، لكن نشوف فى كام عضو فى نقابات الفنانين والموسيقيين»، وتابع: «أنا بشتغل بقالى حوالى 50 سنة، إحنا ناس عادية مستورين، وأنا كنت عضو نقابة فى 2007 وكنت بشوف زمايلى مطحونين، وبيعانوا من ظروف الحياة زى باقى الناس، ومش كلنا مليونيرات، حتى لما حد بيتعب بيقولوا أهو لو كان فنان كانوا سفروه المريخ يتعالج والحقيقة غير كده».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة