آمن المصريون القدماء بحياة أخرى بعد الموت، وإما نعيم مقيم أو جحيم، وكانوا يعتقدون أنهم سوف يعملون فى الآخرة فى حقول النعيم، فاخترعوا حلاً عبقريًا للقيام بالعمل مكانهم فى الجنة، وكانت تماثيل الأوشابتى، فما قصة تماثيل الأوشابتى؟
قال الدكتور حسين عبد البصير، مدير متحف الآثار مكتبة الإسكندرية، كانت تماثيل الأوشابتى تأخذ شكل المومياء، وتتقاطع أيديها على الصدر وتمسك بأدوات مختلفة تعبر عن وظيفتها فى العالم الآخر، وأقدم ما عثر عليه منها إلى الآن يعود لعصر الدولة الوسطى ثم شاعت فى عصر الدولة الحديثة وبعدها.
وأوضح الدكتور حسين عبد البصير، وقد جاءت تسمية تلك التماثيل باسم "أوشابتى" من فعل "وشب" الهيروغليفى بمعنى "يجيب"، لذا نطلق عليها "التماثيل المجيبة"، وعرفت هذه التماثيل أيضًا باسم "الشوابتى" أو "الشابتى" منذ عصر الدولة الحديثة، وصنعت من مواد عديدة مثل الطين المحروق والخشب والفيانس والذهب والفضة وغيرها، وفى مجموعة الملك توت عنخ آمون من الألباستر.
وتابع حسين عبد البصير، وكانت مكلفة بتنفيذ رغبات سيدها وإجابة طلباته والقيام بمهامه المنوط بها فى العالم الآخر، أى أن الهدف من وضع تلك التماثيل فى المقبرة كان فى أن تحل محل المتوفى فى أعمال لابد أن يقوم بها فى العالم الآخر بنفسه فى حقول "إيارو" أو جنات النعيم، وبما أن كل كانوا الناس لا يعرفون الزراعة ولا الحرث، فكانت تلك التماثيل تقوم نيابة عن المتوفى بالأعمال المتعلقة بالزراعة مثل حفر الترع وحرث الأرض الزراعية أو نقل الرمال من ضفة لأخرى.
ولفت، كان يكتب على هذه التماثيل جزء من الفصل السادس من كتاب الموتى، ويمثل مناجاة المتوفى للأوشابتى بحيث يكلفه بأداء المهام الموكلة إليه، وفيه يقول: "إذا نوديت لتؤدى أحد الأعمال الموكلة إليك فلتقل ها أنا ذا، أنا موجود لرى الأرض، وزراعة الحقل ونقل الرمال من الشرق إلى الغرب."
وكانت أعداد تلك التماثيل فى عصر الدولة الوسطى تمثال أو تمثالين فى المقبرة، وأخذت أعداد هذه التماثيل فى التزايد حتى بلغ عددها فى عصر الدولة الحديثة إلى 365، أى بعدد أيام السنة، وكان يقوم كل واحد منها بالخدمة ليوم واحد من أيام السنة بدلاً من المتوفى، وفى فترة لاحقة، أُضيفت إليها ستة وثلاثون تمثالاً تمثِّل مشرفيها، ليبلغ إجمالى عدد التماثيل 401 بالمشرفين، وكان كل مشرف يتابع عشرة من الأوشابتى العاملين، وكان المشرفون يصورون بملابس الأحياء كى يتم تمييزهم عن العمال. أما تماثيل العمال، فغالبًا ما كانت تُزوَّد بأدوات أعمالهم مثل السلاسل والحقائب وأدوات الصيد، وكان بعضهم بلا أدوات.
وأضاف الدكتو حسين عبد البصير، كانت مجموعات تماثيل الأوشابتى تحفظ داخل صناديق خشبية لحمايتها، وكانت تلك التماثيل توضع غالبًا فى المقبرة فى صناديق خشبية منفصلة أو على الأرض حول التابوت أو فى أوانى الأحشاء قليلاً، وفى عصر الرعامسة كانت توضع فى آنية فخارية برأس ابن آوى كرمز للمعبود أنوبيس رب التحنيط، وفى العصور المتأخرة كانت توضع فى صندوق زُخرف سطحه بالنقوش والتعاويذ الدينية، وفى مجموعة توت عنخ آمون وصل عدد التماثيل إلى 420 تمثالاً، ووصل عددها إلى 700 تمثالاً فى المقبرة الواحدة من مقابر العصر المتأخر، تلك هى عبقرية المصريين القدماء فى إبداع حلول مدهشة لبعض المشكلات التى كانت تواجههم فى العالم الآخر، هذه هى مصر التى علمت العالم.