لازال الرئيس التركي يُغرد مُنفردًا جاذبًا أتباعه ومؤيديه من خلال فقاعات وهمية وسراب يُحاول تصديره لهم من خلال الوسائل الإعلامية التركية التي أصبحت جميعها تحت إمرته، إلى جانب الآلة الإعلامية الإخوانية التي تُبث غالبيتها من الأراضي التركية بتمويل من صديقه الحميم أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني.
لقد أغرق أردوغان بلاده في العديد من الأزمات مؤخرًا في مختلف الاتجاهات، فقد تأثر الاقتصاد التركي بشكل سلبي إلى حد انهيار الليرة التركية إلى أدنى مستوياتها لشهور طويلة، كما أقحمها في حروب وصراعات شرقًا وغربًا بهدف تحقيق أطماعه التوسعية في الشرق الأوسط. هذا ويأتي مشهد أول صلاة في "آيا صوفيا" بإسطنبول مساء الجمعة بعد تحويله إلى مسجد، على الرغم كثير من الانتقادات والتساؤلات حول مثل هذه الخطوة التي تُسئ إلى حرية الأديان واحترام التاريخ؛ لتؤكد على مساعي أردوغان الخبيثة والتي يُحاول تنفذيها بشتّى الطرق.
مشهد صلاة الجمعة بـ"آيا صوفيا" بدا مصنوعا بصورة مسرحية ، فقد حضرها أعداد كبيرة من المصلين من الرجال والسيدات، وحرصت الكاميرات التركية على تصوير زوايا مختلفة لهذا المشهد؛ حتى يظهر للمُشاهد والمُتابع بشكل ربما لا يختلف عن تجمعات ملايين المسلمين في الحرمين الشرفين. هذا إلى جانب حرص أردوغان شخصيًا على تلاوة القرآن، تلك العادة التي مارسّها أكثر من مرة وكأنه خليفة للمسلمين - الأمر الذي يتمناه ويسعى لتحقيقه دون كللّ أو مللّ ليسيطر على عقول البسطاء ، وسواء أردوغان أو مسؤوليه بحزب العدالة والتنمية فقد انتقدوا بعض المرات المملكة العربية السعودية وتبنيها لموسم الحج، مع اتهاماتهم أحيانًا لها بالتقصير، إلى حد أن أحد مسؤولي الحزب التركي الحاكم يُدعى محمد علي شاهين قال "لو كلفت تركيا بالحج لنظمته بدون أن يُصاب أحد بأذى بإذن الله".
وعلى الرغم من محاولة أردوغان في ذاك الوقت بأن ينآى بنفسه عن هذه التصريحات إلا أن السنوات الماضية شهدت العديد من الانتقادات التركية ومنه شخصيًا للسعودية، ولعل آخرها قوله ردًا على الانتقادات التي وُجهت لقراره بشأن "آيا صوفيا": "لا نستغرب إذا نادوا لاحقًا بتحويل الكعبة أو الأقصى لمتحف". في حين أن أردوغان لم يلتفت يومًا إلى تحرير الأقصى؛ بل ذهب بمرتزقته ومليشياته في وجهات آخرى تبعُد عن بلاده آلاف الكيلومترات، واعتمدت نصرته للقضية الفلسطينية على الشعارات فقط كعادته.
الآلة الإعلامية الإخوانية عبر السوشيال ميديا، وداعمي مشروع الخلافة الإسلامية هرولت إلى دعم أردوغان ومشهد صلاة الجمعة بـ"آيا صوفيا"، هذا وتطرق بعضهم إلى فكرة منع الصلوات الحالي ووضع ضوابط لها حتى بعد عودتها في بعض المساجد في المنطقة العربية، والتي جاءت في إطار الحفاظ على الأرواح جراء فيروس كورونا، مع الإشارة إلى أن ما يفعله أردوغان هو الأمر السليم دون النظر إلى ما حدث من تكدُس المُصلين وهذا التجمع الحاشد، وتصوير المشهد على أنه أمر جللّ وعظيم ويأتي لنصرة الإسلام، وهو ما يُثبت ما يهدف إليه أردوغان وجماعة الإخوان الإرهابية، وأن كل ما يتبعوه من سياسات ما هو إلا خطوات في طريق المشروع الإسلامي وحلم أردوغان بالخلافة، في تحدي واضح لجميع الأديان والتعدي عليها وأيضًا عدم احترام الآخر والحريات التي أحيانًا يرفع شعاراتها في مُحاولة لكسب التأييد الغربي.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة