منذ القدم عرف الإنسان القرابين، وتقديم بعض الأشياء الثمينة بهدف استرضاء الإله، أو إعداد الميت للعالم الآخر، وكان من بينها القرابين الحيوانية التى ربما كانت تقدم للموتى أو لقوى أعلى، وذلك لخصوبة الأنواع الحيوانية، كما وجد القربان البشرى قبل التاريخ، وكان من النساء والأطفال عادة.
ويشير الدكتور محمد عثمان الخشت فى كتابه "تطور الأديان" إلى أنه منذ العصر البرونزى، غالبا ما ألقيت أسلحة ومجوهرات فى الينابيع، والآبار، ومجارى مائية أخرى كقرابين، من المحتمل إنها كانت غنيمة حرب.
وتنوعت القرابين على مدار التاريخ الإنسانى، بتنوع الحضارات، والثقافات الدينية المنتشرة فى العالم كله، ولعل أول الأحداث التى شهدها العالم، وفقا للرواية الدينية، مرتبطة بالقرابين، ونذكر أن هابيل وقابيل هما صاحبا أول قربان معروف فى التاريخ، حيث قدّم هابيل وكان صاحب أغنامٍ وماشية جذعة سمينة وأما الآخر أى قابيل فكان صاحب زراعةٍ ويعمل بها فقدم حُزمةً من الزرع الردىء السىء واحتفظ بنفسه بالزرع الجيد، فنزلت النار بأمر من الله تعالى فأكلت قربان هابيل دليلًا على قبوله وتركت قربان قابيل كما هو، ونتيجة لذلك قام قابيل بقتل أخيه هابيل.
عرفت الحضارات القديمة، مثل الحضارة السومرية والبابلية والفينيقية واليونانية والرومانية وحتى المصرية القديمة، القرابين، وكانت تقدم لعدة أغراض، منها: إرضاء الآلهة وبالتالي اتقاء غضبها، أو الوفاء بالنذور، أو الشكر على النعم، أو توسل الغفران، أو فقط لمباركة الماشية أو المزروعات أو العائلة، وتنوعت القرابين بين النباتية والحيوانية وحتى البشرية في أحيان أقل.
القرابين البشرية
رأى ويل ديورانت في كتابه «قصة الحضارة» أن الإنسان القديم في وقت الحاجة وشُح الكلأ لجأ لأكل أخيه الإنسان فاستساغه جدًّا، بل ظن أن لحم الإنسان هو قمة أطايب الطعام، وظل ذلك التصور لدى القبائل الآكلة للحوم البشر. وبما أن القربان في شكله الأبسط هو طعام للآلهة، فربما رأى الإنسان أن أفضل ما يقدم للإله المعبود من الطعام هو الإنسان ذات نفسه، وهو أعلى مرتبة في الأضاحي أو الأطعمة، وبذلك ظهر مفهوم الأضحية البشرية، ولأن الطقوس الدينية تبقى لسنوات طوال حتى بعد تغير العادات والتقاليد، ظلت فكرة الأضحية البشرية متلازمة مع الأضحية الحيوانية على الرغم من أن البشر كفوا عن أكل بعضهم البعض.
القرابين الحيوانية
كانت تؤدى للآلهة إما بحرقها كاملة وهو ما سمي في اليونانية القديمة "بالهولوكوستوس" أو Holokaustos أي الحرق الكامل، أو الحرق الجزئي مع الاستفادة أو التبرع بجزء من الأضحية، وبحسب الباحث رضا الأبيض، هى أكثر أنواع القرابين شيوعاً، وكان وأهم الحيوانات التي بها تقرب الإنسان للإله المعبود هو الخروف.
ووفقا لدراسة بعنوان "القربان فى الشعر الجاهلى" لأحمد محمود جمعة أبو الهيجا، كان القرابين الحيوانية السبيل الوحيد إلى نجاة الإنسان من الموت الشنيع، لكن حدث توسع فى هذا المفهوم، جعل القدماء لا يرون عملا من أعمالهم، إلا ويحتاج قربان، فولادة المولود يحتاج إلى قربان، والشفاء من المرض يجتاج قربان، ووفاء الآلهة يريدون تحتاج قربان، حتى الموت كان له قربان.
القرابين النباتية
اعتقد الإنسان فى العصور القديمة أن الآلهة هى التى تمتلك الأرض والحقول والمزرعات، وحينما يتقربون منها بذلك، فإنما يؤدون واجبا دينيا، يسددون فيه ما عليهم لمالك الأرض وخيراتها، وفى بلاد ما بين النهرين كان الساميون يتقدمون من آلهتهم يوميا بأصناف الأطعمة المختلفة، كالخضروات والفواكه والطحين والعسل و غيرها، وقدم العرب أيضا القرابين النباتية لألهتهم ولأصنامهم كغيرهم من الشعوب السامية، وقد تمثلت هذه القرابين النباتية ببواكير المحاصيل والنخيل.
ووفقا للدراسة سالفة الذكر، يذكر أن بعض العرب خاصة أهل المدر والحرث كانوا إذا حرثوا أرضا أو غرسوا غرسا خطوا فى وسطه خطا يقسمه إلى قسمين، وقالوا ما دون هذا الخط للآلهة.
التماثيل أو الدمى
مع امتداد الزمن أعفى عامة الناس من تقديم القرابين، وصارت الدمى بديلة عن القرابين البشرية والحيوانية، وق عرف السومريون والساميون فى بلاد ما بين النهرين هذه الظاهرة، وهى ما تسمى بظاهرة البدل، فنجد تموز القتيل كا بديلا عن صعود الخصب والحب والنماء عند السومريون إلى السماء بعد موتها، شرط أن ترسل تموزا زوجها بدلا عنها إلى العالم السفلى، والإنسان العربى أيضا عرف التماثيل كقربان مقدم للآلهة، فإذا كان القربان بشريا كان التمثال على هيئة بشرية، وإذا كان حيوانا قدم تمثالا على هيئة حيوانية.
الاسقف والقباب
كثرا ما ضرب العرب قديام الأسقف والقباب على قبور موتاهم، لتكون قرابين يتقربون بها إلى آلهتهم ليهنأ موتاهم فى العالم الآخر، وخاصة وأن العرب تعتقد أن الروح حية، تعى وتسمع، تسر وتحزن مما دفعهم إلى زيارة تلك القبور، والإقامة عليها أياما وشهورا.
الأباريق
من جملة ما قدمه القدماء ومنهم قدامى العرب لآلهتهم كانت الأباريق، وهى لسكب السائل المقدس، وقد يكون هذا السائل ماء أو نبيذا أو دما، وهو دم القربان المضحى به.
وللأباريق قداسة مستمدة من قداسة الشراب المسكوب فيها، فالإبريق قرين الظبى الأبيض المقدس، والمتصومع فوق الجبال، يتحلى بلباسه الأبيض، يتطيب بأفضل الرياحين.
الحلى والذهب
أدرك الجاهليون أنهم لن يناهلو البر حينى نفقوا أعز ما يملكون، وعليه أخذوا يقدمون العطايا والهبات كالحلى والذهب والفضى والقلائد وغيرها للأصنام، وتذكر الأخبار أن فى المعابد مواضع خاصة يرمى الزوار فيها ما يجودون به على المعبد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة