البكباشى يوسف صديق ابن بنى سويف ، أحد الضباط الأحرار والملقب بفارس ثورة يوليه 1952، دائما ما يذكر إسمه كلما حلت علينا ذكرى الثورة المجيدة والتى نحتفل بها اليوم ، بعد مرور 68عاما على إندلاعها ، وذلك لتمكنه من القبض على قيادات الجيش الملكى قبل تحركهم لالقاء القبض على أعضاء تنظيم الضباط الأحرار وانقاذه الثورة من الفشل.
ومنقذ الثورة وفارسها إسمه يوسف منصور يوسف صديق الأزهرى مواليد عام 1910، وكان جده "يوسف" ضابطا بالجيش المصرى و تولى منصب حاكم إقليم كردفان بالسودان، و عندما اندلعت الثورة المهدية قتل وأفراد أسرته ولم ينجو منهم سوى إبنيه أحمد، ومنصور والد يوسف، وهربا إلى مصر، وأقام منصور بزاوية المصلوب التابعة لمركز الواسطى بمحافظة بنى سويف " مديرية بنى سويف " وقتها مسقط رأس العائلة، وتزوج منصور ورحل عن الدنيا بعد إنجابه يوسف بعام، ومرت السنوات وأنهى يوسف دراسته بالمرحلة الإبتدائية عام 1924، بمدرسة القرية ، لينتقل إلى القاهرة ويلتحق بالمدرسة الخديوية الثانوية بالقرب من منزل الزعيم سعد زغلول "بيت الأمة "، فاستمع إلى خطب زعيم الأمة وشارك فى التظاهرات ضد الإنجليز، وفى عام 1930، ورغم ميله للشعر والأدب لم يأخذ بنصائح خاله وأسرته بالالتحاق بكلية مدنية، وفضل الالتحاق بالكلية الحربية ليتخرج ضابطا بالجيش و أطلق عليه "شاعر الكلية"، يلقى قصائده فى المناسبات الرياضية بين كليته وكلية البوليس "الشرطة" حاليا.
وتخرج يوسف صديق ضابطا من الكلية الحربية عام 1933، ليعمل بالسلوم ثم تنقل ما بين أماكن ووحدات عسكرية مختلفة منها القاهرة والاسماعيلية واسوان وفلسطين والسودان،شارك يوسف صديق فى حرب فلسطين 1948، وأبلى بلاء حسنا وزملاءه فى موقعة" أشدود"، ولم ينسه صوت المدافع واحتدام وطيس المعارك أن يكتب قصيدة وصف فيها منطقة سحر الطبيعة بمنطقة " أشدود" وانضم يوسف للتنظيم عام 1951 وحضر العديد من الاجتماعات السرية والإعداد للثورة، واتفق الأحرار على الثالث والعشرين من يوليو 1952 موعدا للثورة والقبض على قيادات الجيش واحتلال مقراتهم ومطالبة الملك بالرحيل، ورغم معاناة يوسف خلال تلك الفترة من نزيف بالرئة اليسرى يعالح منه، ومطالبه الأطباء له بالراحة وعدم الحركة، إلا أنه أصر على المشاركة مع الأحرار وتنفيذ دوره فى تأمين مقر قيادة الجيش بعد احتلالها من قبل قوات الجيش بقيادة الضباط الأحرار.
وفى ليلة صباحها الثورة تحرك يوسف بمجموعته " مقدمة الكتيبة الأولى مدافع ماكينة مشاه " من الهايكستب إلى مقر قيادة الجيش بكوبرى القبة، مبكرا عن الموعد المتفق عليه بساعة، ولم يكن يعلم أن الضباط الأحرار ألغوا المهمة بعد تسرب معلوماتها إلى الملك وأعضاء حكومته أثناء وجودهم بالإسكندرية، وأن قيادات الجيش الملكى يتوافدون على مقر قيادة الجيش لعقد اجتماعهم والإعداد للقبض على المشاركين فى تنظيم الضباط الأحرار واعتقالهم بأمر من الملك، ووصل صديق إلى مقر القيادة بالعباسية وانتظر وصول القوات المقرر احتلالها المبنى، ولم يأت أحد، ورفع رأسه إلى السماء قائلا " انا نسيت المعاد المتفق عليه ولا ايه، دلنى يا رب انا صح ولا غلط " وتمكن من القبض على جميع القيادات والضباط القادمين إلى مقر القيادة، وفوجئ بقدوم جمال عبدالناصر وعبدالحكيم عامر اللذان أرادا إخباره بإلغاء المهمة إلا أنهما علما بتحركه، من زوجته التى اخبرتهما بخروجه من المنزل دون معرفتها لوجهته، وعند وصول عبدالناصر وعبدالحكيم، مقر قيادة الجيش ونظرا لضعف الإضاءة ليلا، استوقفتهما القوات وتحفظت عليهما، واصطحبتهما إلى يوسف، ليجدهما ناصر وحكيم، اللذان علما منه بإلقاء القبض على جميع القادمين إلى مقر القيادة، فقال عبدالناصر " العجلة دارت وماينفعش التراجع "، وكلف "يوسف" بمهمة أكبر من المتفق عليها من قبل، وهى القبض على من بداخل مقر القيادة والسيطرة على المبنى، وعاد ناصر وحكيم لتحريك وجلب باقى المركبات و القوات، واقتحم يوسف مقر القيادة وصعد للطابق الثانى وأطلق النيران على حارسا برتبة "شاويش" داخل المبنى فاصابه فى قدمه لعدم امتثاله لامره ومحاولته المقاومة، وتمكنت القوات من ضبط جميع من بالمبنى، ودخل يوسف لمكتب الفريق حسين فريد رئيس أركان الجيش، فوجده مختبئا خلف" برافان" رافعا منديلا ابيض بعد سماعه دوى إطلاق النيران، فألقى القبض عليه، وأجرى يوسف اتصالا هاتفيا من تليفون مكتب رئيس الأركان باللواء محمد نجيب وأخبره بما حدث، وعرض عليه طلب رئيس الأركان تأمينه وأسرته، فوافق نجيب على ذلك، وسمع يوسف صوت الدبابات بالخارج فخرج ليجد البكباشى زكريا محيى الدين قد وصل بقواته.
ونجحت الثورة بدعم من الشعب الذى خرج إلى الشوارع فى ربوع مصر معلنا فرحته ومساندته الجيش، وطلب عبدالناصر ضم يوسف لمجلس قيادة الثورة لدوره البطولى ليلة الثورة الذى يعد سببا رئيسيا فى نجاحها، و حضر يوسف صديق اول اجتماع لمجلس قيادة الثورة ضم 14 ضابطا حكموا مصر بقيادة محمد نجيب أول رئيس للبلاد بعد رحيل الملك.
وكان يوسف صديق شاعرا محبا لوطنه وله مجموعة شعرية بعنوان " ضعوا الأقلام" كما وضع له تمثالا بالمتحف الحربى بجوار زملاءه من الضباط الأحرار وذلك بحكم من المحكمة ، وعانى يوسف من أمراض "نزيف الكلى والسرطان والسكر وسل العظام" لسنوات حتى وافته المنية فى 31 مارس عام 1975، عن عمر يناهز 65 عاما، ليشيع جثمانه ملفوما بعلم مصر ومحمولا على عربة عسكرية فى جنازة عسكرية رسمية وشعبية، حضرها محمد نجيب، أول رئيس جمهورية لمصر، وحسنى مبارك وكان نائبا للرئيس أنور السادات وقتها، وزملاء البطل من الضباط الأحرار ومن على قيد الحياة من مجلس قيادة الثورة وعائلته ومحبيه، وبرغم تاريخه الوطنى المشرف لم يطلق إسمه على ميدان أو شارع أو مدرسة بالقاهرة أو محافظة بنى سويف مسقط رأسه حتى الآن.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة