واحدة من أعظم المجموعات الشعرية فى العصر الحديث، هى مجموعة "أوراق العشب" للشاعر الأمريكى والت ويتمان الصادرة عام فى 1855، والتى يصفها النقاد بأنها أحدثت أكبر الأثر فى تطور الشعر الحديث، ويقال إن مؤلفها ظل يعيد الكتابة ويراجع النص مرات عديدة حتى وفاته، وهذا ما يفسر اختلاف طبعات الديوان، فالأولى ضمت 12 قصيدة والأخيرة ضمت أكثر من 400 قصيدة.
وفى مقدمة الترجمة العربية الكاملة للديوان يشير مترجمها الشاعر المصرى رفعت سلام إلى أن ويتمان هو مؤسس الحداثة الشعرية الأمريكية، بل الشعر المكتوب بالإنجليزية بعامة.
أوراق العشب
يقول سلام إن "أوراق العشب" ليس ديواناً مفرداً على النمط التقليدى المعروف، بل عمل شعرى واحد يتكامل عبر الزمن والكتابة، لذلك أتيح فى 9 طبعات متوالية، إلى أن وضع ويتمان بنفسه كلمة النهاية فى طبعته الأخيرة، المسماة "طبعة فراش الموت"، التى قام بمراجعتها وأعدها فى لحظات حياته الأخيرة دون أن يمتلك أحد اليقين بأنه قد رآها مطبوعة قبل أن يفارق العالم.
وبحسب كتاب "حفلة قديمة على القمر" لـ آمال نوار، أنه فى عام 1855 ميلادية، بعد محاولات عدة فاشلة، تمكن الشاعر الأمريكى والت ويتمان من العثور على مطبعة صغيرة فى بروكلين، وافق صاحبها على طباعة مجلد شعرى صغير له، وفى خمس وتسعين صفحة، يضم اثنتى عشرة قصيدة تحت عنوان "أوراق العشب".
هذه المجموعة لم تحظ آنذاك سوى بقليل من التعليق والنقد، معظمه سلبى إلى حد التسفيه والتقذيع، لكنها أضحت فيما بعد إنجيل أمريكا الجديد وصاحبها نبى الأخوة والديمقراطية.
انصرف "ويتمان" طوال حياته، بدل تأليف كتب جديدة إلى مواصلة العمل على تلك المجموعة وتطويرها، مضيفا إليها الجديد من القصائد ومنقحا القديم منها، لتتوالى طبعاتها إلى مدى سبعة وثلاثين عاما فى تسعة إصدارات مختلفة، آخرها كان عام 1892م، أى عام وفاة الشاعر، وللتجاوز صفحاتها أربع مائة صفحة.
من المفارقات المدهشة أن ديوان "أوراق العشب" الذى خلد اسمه فى تاريخ الأدب تسبب فى طرده من العمل؛ حيث كان يعمل فى سكرتارية المكتب الهندى فى وزارة الداخلية الأمريكية، فطرده الوزير على أساس أنه عمل غير أخلاقى وبفضل طابعها الجريء كثيراً ما يوصف بأنه أبوالكتابة الحرة وتحت هاجس الإجادة، مارس ويتمان مع نصه أقصى درجات المراقبة والتلصص وظل يحذف ويضيف فى محتويات الكتاب إلى أن مات فى نيوجيرسى فى عام 1892.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة