وعلى مدى الأسابيع الماضية تبارى المرشحون لرئاسة المنظمة في استعراض رؤاهم وبرامجهم وخططهم لتطوير أداء المنظمة التي تواجه سيلاً من التحديات والإشكالات والانتقادات منذ انطلاقها قبل 25 سنة، ذكر البرازيلى روبرتو أزيفيدو مدير عام منظمة التجارة العالمية المنتهية ولايته فى الثالث و العشرين من يوليو أن منظمة التجارة العالمية يجب أن تتصرف بوتيرة أسرع في التعامل مع الصدمات مثل جائحة فيروس كورونا إذا ما كانت تريد البقاء.


ويترك المسؤول البرازيلي المنصب في نهاية أغسطس القادم، فيما تواجه منظمة التجارة العالمية عديدا من التحديات، بما في ذلك الخلافات الأمريكية مع الشركاء التجاريين الصينيين والأوروبيين وآلية النزاعات التجارية المختلة وظيفيا في المنظمة والجمود في محادثات التجارة الحرة العالمية.


ونصح أزيفيدو في مؤتمر صحافي عقده بمناسبة انتهاء فترة رئاسته للمنظمة التى مقرها جنيف، "إن خلفه الذي سيتم اختياره بحلول نوفمبر، يجب أن يكون مستعدا لأي شيء"، مشيرا إلى أن الأحداث السياسية والكوارث الطبيعية أو الأمراض يمكن أن تحدث اضطرابا في التجارة العالمية.


وفى السباق على رئاسة المنظمة ، بادرت أفريقيا بثلاثة مرشحين في سباق رئاسة منظمة التجارة العالمية، مدفوعة بآمال "ووعود" ترددت هنا وهناك في دهاليز عدد من قمم الكبار الذين رأوا أن منصب مدير منظمة التجارة العالمية قد يكون من نصيب أفريقيا، فمن مصر ترشح المدير السابق لإدارة تجارة الخدمات والاستثمار في منظمة التجارة العالمية، المحامي عبدالحميد ممدوح، ومن نيجيريا رُشحت وزيرة المالية السابقة، نجوزي أوكونجو- إيويالا، ومن كينيا وزيرة الخارجية والتجارة السابقة، ووزيرة الشباب والرياضة حالياً، أمينة محمد. 


وشارك من أوروبا وزير التجارة الدولية البريطاني، وعضو مجلس العموم حالياً، ليام فوكس، ومن مولودفيا رُشح وزير الخارجية السابق، تيودور أوليانوفيشي، ومن آسيا رشحت المملكة العربية السعودية وزير الاقتصاد والتخطيط السابق، ومستشار في الديوان الملكي حالياً، محمد بن مزيد التويجري، وعن كوريا الجنوبية ترشحت وزيرة التجارة الحالية، يو ميونج هيي، ومن أمريكا اللاتينية كان أول من ترشح للمنصب نائب المدير العام السابق لمنظمة التجارة العالمية، المكسيكي جيسوس سيادا كوري.


وبقيت منظمة التجارة "قيد التفاوض والدراسة" منذ عام 1963، قرابة 30 عاماً، لحين صياغة بنودها في 1993 وخروجها إلى حيز الوجود في 1995، والغريب هنا أنه بعد اجتماعين هادئين نسبياً للمؤتمر الوزاري، الذراع التنفيذي للمنظمة، انفجرت القضايا الصارخة في جولة سياتل عام 1999 (الدعم الزراعي، والملكية الفكرية، وصناعة الأدوية، ونقل التكنولوجيا، وإزالة الحواجز الجمركيةـ والقيود غير الجمركية، والأضرار البيئية)، وتلتها جولة الدوحة في 2001 التي حاولت رأب الصدع والشروخ التي ضربت في بدن العالم بين الشمال والجنوب، العالم الصناعي والزراعي، الدول المتقدمة والعالم النامي، الصناعيين وأنصار البيئة، غير أنها لم تفلح سوى في تلطيف المشهد وتهدئة الخواطر بـ"وعود" إقامة جولة تفاوض جديدة.


وبانتهاء جولة المفاوضات الزراعية في عام 2005 دون نتائج تذكر، فقدت "منظمة التجارة العالمية" دورها كساحة تفاوض حقيقية وآلية لفض المنازعات الحقيقية بين مصالح الأطراف، واقتصر على كونها أشبه بـ"حلبة نزال" يأتي إليها الكبار لتصفية حساباتهم وخلافاتهم التجارية، بينما تقف الدول النامية والفقيرة بمطالبها وطموحاتها لا يكاد يسمع لهم صوت أو يلبى لهم مطلب.


وبحسب خبراء فقد فشلت المنظمة في إحراز تقدم فى "ملف الحاصلات الزراعية" الذي كان سبباً جوهرياً في فقدان الثقة فيها كميدان لفض المنازعات بين الشمال الغني والجنوب الفقير، ولاسيما أن الدول النامية طالبت البلدان الغنية بخفض وإزالة الدعم الذى تقدمه لمزارعيها، والذى قدره البنك الدولي آنذاك بنحو مليار دولار يومياً، قائلاً إن إلغاء دعم المزارعين فى بلدان العالم الغنية سيفيد اقتصادات العالم النامي، التي تعتمد بكثافة على القطاع الزراعي، بنحو 5ر1 تريليون دولار سنوياً.


ومع تعاظم التحديات وتراكم الإشكالات بمرور السنين، تضاءل ثقل "منظمة التجارة العالمية" التي عجزت عن تحديث أدواتها وقدراتها على مواجهة تحديات التجارة الإلكترونية، وتصاعد التدابير الحمائية، وصولاً إلى اندلاع حروب تجارية طاحنة بين كبرى الدول كالحرب الدائرة بين الولايات المتحدة والصين ، و بات لزاما على رئيسها القادم احراز تقدم فى هذا الاتجاه .


وجاءت جائحة كورونا لتزيد الطين بلّة على مصير "منظمة التجارة العالمية" التي توقعت انخفاضاً حاداً وأرقاما "بشعة"، على حد وصف مدير المنظمة البرازيلي المستقيل، روبرتو أزفيدو، بهبوط نسبته بين 13 و32 في المائة للتجارة العالمية خلال العام الجاري، ولتتجاوز خسائرها ما حدث في الأزمة المالية العالمية في 2008، ولتقترب من أزمة الكساد الكبير التي ضربت العالم قبل 90 عاماً، ومن جهته، قدر بنك التنمية الأسيوي حجم خسائر التجارة العالمية خلال الأشهر الستة من جهود احتواء تفشي الوباء بنحو 2.6 تريليون دولار.