كان حصار فيروس كورونا خلال الشهور الماضية، كاشفا عن فرص وإمكانات بدت شبه مستحيلة، منها استكمال التعليم عن بعد ونجاح التابلت فى امتحانات مئات الآلاف من الطلاب فى المرحلة الثانوية بل والجامعات، كما توقفت الدروس الخصوصية طوال فترة الحجر المنزلى.
وعندما أعلنت وزارة التعليم عن عقد امتحانات الثانوية العامة، خرجت أصوات كثيرة تطالب بعدم عقد الامتحانات، وطالب بعض أولياء الأمور بإلغاء الامتحانات، وأصدرت نقابة الأطباء بيانا حذرت فيه من عقد امتحانات الثانوية، وحملت الحكومة المسؤولية، وقالت إن العدوى ستكمون بالآلاف.
مرت الامتحانات التى حضرها 680 ألف طالب ثانوية و770 ألف بالتعليم الفنى ونص مليون مراقب وإدارى، وتحملت الحكومة المسؤولية وفرضت إجراءات احترازية، ومرت الامتحانات بسلام، ونجحت وزارة التعليم والحكومة فى الامتحان، وفشلت التسريبات للعام الثانى على التوالى، بما يشير إلى تغير فعلى يفترض الاعتراف به.
وفيما يتعلق بمن عارضوا وحذروا الأمر لا يتعلق بمزايدات، لكن هؤلاء وقد أصدروا بيانات تحذير أن يعترفوا بعدم إحاطتهم وأنهم لم يكونوا على دراية تامة. وليس عيبا خاصة أن هذه كانت مجرد آراء.
الشاهد أن امتحانات الثانوية مرت بنجاح للوزارة والحكومة، المفارقة أن أولياء الأمور الذين كانوا خائفين على أبنائهم وبناتهم من الفيروس فى أيام الامتحانات تزاحموا لحجز الدروس الخصوصية لأبنائهم فى مراكز ومسارح يفترض أنها تتجاوز أى إجراءات احترازية، ويجتمع فى بعض القاعات مئات الطلاب.
هناك صور وفيديوهات لتزاحم بالمئات لحجز الدروس الخصوصية، وكأنه لا توجد مخاوف أو فيروسات ويتحمل جزء من المسؤولية أولياء الأمور والتلاميذ الذين أدمنوا الدروس الخصوصية، لأن من يشكون من تكدس خمسين تلميذا فى الفصل يسارعون لحجز دروس فى مكان فيه 800 وربما آلاف.
كل هذا يعيدنا لأزمة سنوية تتعلق بإنفاق مليارات على مافيا الدروس، ومثلما تقع المسؤولية على أولياء الأمور فهى أيضا على الحكومة التى يفترض أن تتعامل مع الأمر باعتباره مخالفات تستدعى مواجهة.
لقد توقفت الدروس الخصوصية أثناء شهور الحجر الاضطرارى، وحلت مكانها منصات إلكترونية أو دروس بالفيديو وفرتها المحطات التعليمية، فما المانع من مواجهة حاسمة للظاهرة فى ظل ظروف مواتية مع إتاحة المواد التعليمية مثلما جرى بشهور الأزمة.
وهذه فرصة لن تعوض للقضاء على أكثر الظواهر المدمرة للتعليم فى البلاد على مدى عقود، وأصبحت نفسية أكثر منها حقيقة، ومع إنهاء الارتباط النفسى وإتاحة الدروس إلكترونيا، يمكن أن تتغير الصورة.
وقد تغير نظام الامتحانات بالفعل ونجح التابلت، بعد أن واجه تشكيكا ومعارضة، لكن كورونا ساهم فى نجاحه.
لدينا فرصة لإنهاء ظاهرة انتهت فعلا أثناء تجربة كورونا، لأن فيروس الدروس أخطر على المستقبل من فيروس كوفيد 19. وإذا لم نواجهها الآن فلن نستطيع أن نتعامل معها فى المستقبل، خاصة أنها تمثل خطرا على صحة آلاف التلاميذ ممن يتكدسون فى قاعات مراكز الدروس.
ومن خلال إتاحة الدروس على منصات إلكترونية، سوف يعتاد التلاميذ مع الوقت وتسقط حواجز نفسية قامت على مدة عقود، ومن دون إنهاء هذه الظاهرة لا يمكن الحديث عن تطوير للتعليم، ومع تغيير نظام الامتحانات والتوسع فى المنصات الإلكترونية يمكن الحديث عن تطوير حقيقى، وليس مجرد كلام.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة