صدر بالأمس القرار رقم 1295 لسنة 2020 بشأن توقف مواعيد سقوط الحق والتظلمات والدعاوى والطعون بسبب فيروس كورونا المستجد – كوفيد 19 - وتضمن القرار، أن تعد الفترة من 17 مارس الماضي حتى تاريخ سريان قرار رئيس الوزراء رقم 1246 لسنة 2020، مدة وقف بالنسبة لمواعيد سقوط الحق والمواعيد الإجرائية الجنائية بالتظلمات الوجوبية والدعاوى والطعون القضائية، وغيرها من المواعيد والآجال المنصوص عليها بالقوانين والقرارات التنظيمية، ولا يسرى حكم وقف سريان المواعيد على الآجال والمواعيد الخاصة بالحبس الاحتياطي والطعن في الأحكام الجنائية الصادرة في شأن الأشخاص المحبوسين تنفيذا لتلك الأحكام.
وفى الحقيقة لا صوت يعلو على صوت أزمة فيروس كورونا المستجد – كوفيد 19 – الذي ظهر لأول مرة في ووهان، الصين، فى ديسمبر من العام الماضي 2019، حيث سعت دول في جميع أنحاء العالم منذ بداية الأزمة، إلى اتخاذ تدابير احترازية مشددة للحد من تفشى الوباء، كان أبرزها كما هو متعارف عليه فرض حظر السفر وحجر المواطنين وعزل المصابين في محاولة لوقف انتشار الفيروس الجديد.
وتطور المرض أو الوباء إلى تهديد عالمي صريح، وفي 30 يناير 2020، أعلنت منظمة الصحة العالمية أن أعداد الإصابات شكلت حالة طوارئ صحية عامة تثير القلق الدولي في جميع أنحاء العالم، وأصبحت الدول فى حاجة إلى اتخاذ تدابير الطوارئ الناتجة عن اضطرابات كبيرة فى التجارة الدولية، وبدأ ذلك يظهر بوضوح في تأثر الأعمال والتشغيل، بما في ذلك إغلاق أماكن العمل والموانئ، وتعطل قنوات الإمداد والتوزيع، ونقص العمالة وضعف الطلب على مستوى العالم.
كيف يستعد المتعاقدون لعودة العمل والتعايش مع كورونا؟
ومع عودة العمل بالمحاكم بكامل طاقتها وقوتها منذ بداية الأسبوع الحالى، عاد الحديث مرة أخرى عن نظرية الظروف الطارئة في أَوَّجْ صورها، ولكن هذه المرة ليس في مصر وحدها، بل في أنحاء الوطن العربي، حيث بدأ الأفراد والشركات والمؤسسات خلال هذه الأيام في تفنيد وتجهيز الأوراق والمستندات والدفوع المقرر التصدي بها حال قيام أى شركة أو مؤسسة بالإجهاز على الأخرى، بحجة عدم الالتزام بالعقود المبرمة، وإقامة دعاوى قضائية سواء بالتعويض أو التغريم جراء عدم تنفيذ شروط العقد.
فى التقرير التالى، يلقى "اليوم السابع" الضوء على نظرية الظروف الطارئة في أَوَّجْ صورها ليس فى مصر فقط ولكن فى عدد من الدول العربية، وذلك فى الوقت الذى يتمسك فيه الدائن بالقواعد العامة، وبأن العقد شريعة المتعاقدين، وبأن المدين ملزم بالوفاء بالتزامه المستحيل استحالة جزئية أو مؤقتة، وأنه لا مناص من إجباره على الوفاء، مهما سبب له ذلك من خسارة، وعلى الجانب الآخر تجد أن العدالة تقتضي مراعاة المدين التي تغيرت ظروفه، فيتم تعديل التزاماته، بما يتناسب مع هذا التغير العام الاستثنائي الغير متوقع – بحسب الخبير القانونى والمحامى سامى الجمل.
تعديل التزامات المدين الذي تغيرت ظروفه
نظرية - الظروف الطارئة - يمكن تعريفها بأنها الحالة الاستثنائية، التي يطرأ فيها، بعد إبرام العقد وقبل تمام تنفيذه، حادث لم يكن متوقعا، من شأنه أن يؤدي إلى اختلال التوازن بين التزامات الطرفین اختلالا فادحاً، فيصبح الالتزام الملقى على عاتق المدين مرهقاً له إرهاقًا شديدا، ويترتب على تنفيذه خسارة فادحة – وفقا لـ"الجمل".
وجدير بالذكر أن هذه النظرية محل تطبيقها يكون في العقود متراخية التنفيذ، سواء كان العقد في طبيعته من عقود المدة، كالعقود المستمرة دورية التنفيذ كعقد الإيجار وعقد الاستثمار، أو من العقود الفورية التنفيذ ولكن كان تنفيذه مؤجلاً كعقد البيع المؤجل، ولا جدال أن ما طرأ علي الساحة العالمية بسبب فيروس كورونا المستجد - كوفيد 19 - جعل الجميع يتسائل ما آثر هذا الوباء وعدم وجود اللقاح، علي مستقبل التعاقدات المستمرة متراخية التنفيذ وحتي المؤجلة، حيث نجد في فرنسا مبدأ أقرته الدائرة السادسة بمحكمة الاستئناف بكولمار الفرنسية في حكمها رقم 0198/ 20 الصادر بتاريخ 12 مارس 2020 جاء فيه أن فيروس كورونا لا يمثل قوة قاهرة، بل خطر العدوى وعدم وجود لقاح هو الذي يمثل قوة قاهرة – الكلام لـ"الجمل".
الظروف الطارئة في التشريع المصري
وأيا كان وجه الرأي في مسألة الاستحالة المطلقة والقوة القاهرة ومدي انطباقها على حالة تفشي فيروس كورونا - كوفيد 19 - و ما أحدثه من حَلْحَلة في اقتصاديات العالم، فلا جدال أننا يمكننا القول بأننا أمام نظرية الظروف الطارئة في أَوَّجْ صورها حيث وجدت تطبيقاتها في القانون المصري فنصت المادة 147 فقرة 2 من القانون المدني المصري رقم 131 لسنة 1048 على أنه: ".... ۲- إذا طرأت حوادث استثنائية عامة ولم يكن في الوسع توقعها وترتب على حدوثها أن تنفيذ الالتزام التعاقدي، وإن لم يصبح مستحيلاً صار مرهقاً للمدين يهدده بخسارة فادحة جاز للقاضي تبعا للظروف بعد الموازنة بين مصلحة الطرفين أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول ويبطل كل اتفاق يخالف ذلك".
نظرية الظروف الطارئة فى التشريع الكويتي
كما نجد المشرع الكويتي نص في المادة 198 من القانون المدني الكويتي رقم 67 لسنة 1980 علي أنه : "إذا طرأت، بعد العقد وقبل تمام تنفيذه، ظروف استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها عند إبرامه، وترتب على حدوثها أن تنفيذ الالتزام الناشئ عنه، وأن لم يصبح مستحيلا، صار مرهقا للمدين، بحيث يهدده بخسارة فادحة، جاز للقاضي بعد الموازنة بين مصلحة الطرفين، أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول، بأن يضيق من مداه او يزيد في مقابله، ويقع باطلا كل اتفاق على خلاف ذلك".
الظروف الطارئة فى التشريع الإماراتي
كذلك نجد المشرع الإماراتي نص في المادة 249 من قانون المعاملات المدنية الإماراتي رقم 5 لسنة 1985 على أنه: "إذا طرأت حوادث استثنائية عامة ولم يكن في الوسع توقعها وترتب على حدوثها أن تنفيذ الالتزام التعاقدي وأن لم يصبح مستحيلا صار مرهقة للمدين يهدده بخسارة فادحة جاز للقاضي، تبعا للظروف بعد الموازنة بين مصلحة الطرفين أن يرد الالتزام المرهق إلي الحد المعقول إن اقتضت العدالة ذلك ويبطل كل اتفاق بخلاف ذلك".
الظروف الطارئة فى التشريع العراقي
غير أن المشرع العراقي أَحَّدَ من سلطة القاضي بإعمال نظرية الظروف الطارئة بِجَعل سلطته مقصورة علي إنقاص التزام المدين في حين جعل المشرع المصري والكويتي والإماراتي للقاضي السلطة في رد الالتزام المرهق بما يتبع ذلك وقف الالتزام مؤقتاً، أو تأجيله، أو إنقاصه من علي المدين، أو زيادته علي الدائن، أو حتي رد المتعاقدين إلي الحالة التي كانوا عليها عند التعاقد إن أمكن ذلك مع ما يترتب علي ذلك من آثار بشأن الموازنة بين مصالح الطرفين.
فقد نص القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 في المادة 146 فقرة 2 على أنه: "..... ۲- إذا طرأت حوادث استثنائية عامة ولم يكن في الوسع توقعها، وترتب على حدوثها أن تنفيذ الالتزام التعاقدي وإن لم يصبح مستحيلا صار مرهقة للمدين يهدده بخسارة فادحة جاز للقاضي تبعا للظروف بعد الموازنة بين مصلحة الطرفين أن ينقص الالتزام المرفق إلى الحد المعقول أن اقتضت العدالة ذلك ويبطل كل اتفاق بخلاف ذلك".
ما هي دلالة عبارة "ويبطل كل اتفاق يخالف ذلك"؟
ومن الملاحظ أن المشرع أستخدم عبارة - ويبطل كل أتفاق يخالف ذلك - في كل تشريع بما يدل علي أن هذه قاعدة أمرة لا يجوز الاتفاق علي ما يخالف حكمها فالقانون العام وهو القانون المدني في هذه الحالة هو الواجب التطبيق، إلا إذا وجد قانون خاص ينظم هذه المسألة في شأن معين، فيجب إعمال القانون الخاص في هذه الحدود، وفي الخِتَام فإنه لا جرم من المداولة بين المتعاقدين، ولا مَنَاص من الاتفاق بينهم في ظل هذه الظروف التي ليس لها من دون الله كاشفة، أما سلوك سبيل التقاضي فإنه يجب أن يكون آخر سبيل بين المتعاقدين وفي النهاية فإنهم أهل الحق والقرار، سائلين المولى عز وجل أن يرفع عنا الوباء والبلاء، وأن ينزل الشفاء إنه قريب سميع الدعاء .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة