صفوف من الأمريكيين ذوى الأصول الإفريقية، يجوبون الشوارع في عدة مدن وولايات أمريكية، على رأسها ولاية جورجيا، في حركة منظمة، يرتدون زيا موحدا يطغى عليه اللون الأسود، بينما يحملون السلاح، في مشهد أشبه بـ"العرض العسكرى"، في امتداد لموجة الغضب العارمة التي شهدتها الشوارع الأمريكية في الآونة الأخيرة، احتجاجا على تفشى العنصرية، على خلفية مقتل مواطن، من أصحاب البشرة السمراء على يد قوات الأمن في الولايات المتحدة، وهى الاحتجاجات التي لاقت صدى واسع لدى المواطنين، لتنتشر إلى كافة أرجاء أمريكا، ومنها إلى أوروبا.
إلا أن خروج مسيرات مدججة بالسلاح في الشوارع الأمريكية، يمثل تجاوزا صريحا لمفاهيم "الحراك السلمى"، حتى وإن لم تخرج تلك الأسلحة عن إطار "الاستعراض"، خاصة إذا ما وضعنا في الاعتبار أن العنف لم يكن غائبا عن المشاهد السابقة في مختلف الولايات الأمريكية، في إطار الاشتباكات بين قوات الأمن والمتظاهرين، هو الأمر الذى ربما يفتح الباب أمام تساؤلات حول تطور الحركة الاحتجاجية الأمريكية، في المرحلة الراهنة، من مجرد مسيرات سلمية تنطلق فيها الهتافات، إلى منحى فوضوى تسعى فيه حركات بعينها نحو فرض كلمتها ورؤيتها بالقوة.
التطور الذى تشهده الاحتجاجات الأمريكية لا يرتبط فقط بمقتل جورج فلويد، وإنما يحمل في طياته أبعادا أخرى أكثر عمقا ترتبط بحياة قطاع كبير من المواطنين ذوى الأصول الإفريقية، على رأسها تدنى المستوى المعيشى، والصعوبات المالية، خاصة في ظل أزمة كورونا، وهو الأمر الذى كشفته إحصاءات أبرزتها منصات إعلامية أمريكية، أفادت بأن الفيروس أصاب بتداعياته الاقتصادية 74% من الأمريكيين ذوى الأصول الإفريقية، بينما كانت معاناة أصحاب البشرة البيضاء أقل من ذلك بنسبة معتبرة.
إحصاءات أخرى كشفت زيادة كبيرة في إقبال الأمريكيين السود على شراء الأسلحة النارية بنسبة تجاوزت 95%، وهو ما يحمل رسالة مفادها أن هذه الفئة من المواطنين لم تعد بانتظار "المخلص"، ولكنها ستتحرك بنفسها للحصول على حقوقها المهدورة.
وهنا تتجلى المعضلة الحقيقية، وهى أن تتحول حالة الغضب في المجتمع الأمريكي إلى آلة دمار، يمكنها أن تأكل الأخضر واليابس، في المستقبل القريب، وهو الأمر الذى يمكننا ترجمته، ليس فقط في المشهد الأمريكي الأخير، وإنما ظهر في دولا أخرى، أبرزها في أوروبا، في أعقاب بزوغ نجم حركة "السترات الصفراء"، في فرنسا، والتي كانت بمثابة ملهما ليس فقط في الداخل الفرنسي، وإنما في أوروبا بأسرها، عبر زيها الموحد، ومطالبها التي تجاوزت الخطوط الحمراء، وعلى رأسها استقالة الرئيس والحكومة وحل البرلمان، مما دفع لظهور حركات أخرى، تحمل على عاتقها أدوارا أكثر خطورة في دول أخرى، على غرار "تسونامى الديمقراطية" في إسبانيا، والتي تسعى لتحقيق استقلال كامل لإقليم كاتلونيا.
خروج الأمريكيين إلى الشوارع حاملين السلاح مؤشر خطير للغاية في ظل احتمالية انتشار مثل هذا الحراك في مناطق أخرى بالعالم، على غرار ما شهدته دول العالم في أعقاب مقتل فلويد، حيث انتقل الحراك كـ"عدوى" سريعة الانتشار من أمريكا إلى أوروبا، ومنها إلى آسيا وصولا إلى بعض الدول الإفريقية