الصناعة أحد أهم أسس الاقتصاد الحديث، وتسعى الدولة بشكل كبير فى تطوير الصناعات القائمة التى تحظى فيها مصر بميزات تنافسية، وعلى رأسها الغزل والنسيج والملابس، وصناعات الأثاث والصناعات الغذائية، وهناك صناعة مهمة تمثل أهمية استراتيجية وهى صناعة الدواء التى تحتاج بالإضافة إلى الإمكانات الصناعية، فهى أيضا تتطلب وجود بنية علمية وبحثية، فضلا عن ترتيبات فيما يتعلق بمراقبة الجودة والتعامل مع الملكية الفكرية واتفاقيات التجارة، لأن الدواء خاصة الأصناف الجديدة ترتبط بالملكية الفكرية وبراءات الاختراع، وتخضع صناعات الخامات الدوائية لنوع من الاحتكار، من قبل عدد محدود من الشركات فى العالم، بوصفها من الصناعات التى تتطلب إنفاقا ضخما وحماية مبالغ فيها أحيانا للملكية الفكرية.
مصر هى الأولى عربيا وأفريقيا فى صناعة الدواء، لكن هذه الصناعة تعرضت خلال عقود لتراكمات عرقلت تطورها، وتنقسم صناعة الدواء إلى شقين، الأول هو أغلبية الأدوية القديمة أو التى مر على ظهورها 20 عاما، ولا تتطلب دفع مقابل براءات الاختراعات للشركات المالكة، وهى نسبة تشكل حوالى 70%، من الأصناف المنتجة، وتبقى النسبة التالية وتمثل 30%، هى الأدوية الجديدة التى تحظى بحماية الملكية الفكرية، وهذه الأصناف يتطلب الحصول عليها سداد مقابل براءات اختراع، مما يرفع ثمنها، ومنها أدوية الأجيال الجديدة.
فى الفترة الأخيرة خاصة مع ظهور فيروس كورونا، أصبحت قضية تطوير صناعة ذات أهمية إضافية، وعقد الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء، اجتماعًا لمناقشة آليات تطوير صناعة الدواء بحضور وزيرى الصحة والتعليم العالى والبحث العلمى، ومستشار رئيس الجمهورية لشؤون الصحة والوقاية، ورئيس الهيئة المصرية للشراء الموحد ورئيس هيئة الدواء.
مدبولى قال إن أزمة كورونا أسهمت فى التعجيل بطرح هذه القضية للنقاش، وأن هذا كان من بين دروس الفيروس، وأشار إلى ضرورة الإسراع بإجراءات تسجيل الأدوية، مع وضع المحفزات للمصانع لتطوير صناعاتها والتوسع فيها، كما كلّف رئيس الوزراء بوضع رؤية واضحة وخطة تنفيذية محددة لتطوير صناعة الدواء فى مصر.
بدأت صناعة الدواء فى مصر منذ بدايات القرن العشرين، وتطورت فى الستينيات ضمن خطط بناء الصناعة وتطويرها، وحتى التسعينيات من القرن العشرين، كانت الصناعة المحلية من الأدوية تغطى ما بين 80- 85% من حاجات الاستهلاك المحلى، فضلا عن تصدير أدوية لأفريقيا ودول عربية، واعتمدت فى البداية على الشركات العامة، وانضمت شركات خاصة إلى صناعة الدواء منذ الثمانينيات من القرن العشرين.
واجهت الشركات العامة أزمات بسبب توقف التحديث، واستمرار تسعير منخفض للدواء، بشكل أدى لأن تحقق الشركات خسائر وتعجز عن تطوير بنيتها، مع الأخذ فى الاعتبار أن صناعة الدواء من الصناعة التى تعتمد على تقنيات عالية، وتستلزم التحديث المستمر، وبالتالى تأتى أهمية ما يجرى من تحديث شامل لصناعة الدواء، وخلال السنوات الأخيرة تم تعديل ورفع أسعار أصناف كثيرة مكنت الشركات من الصمود.
وخلال السنوات الأخيرة نجحت مصر فى الحصول على حق إنتاج سوفالدى والأدوية الخاصة بفيروس الكبد سى، وتم توفيره بالمجان للأغلبية تم القضاء نهائيا على واحد من أخطر الأمراض التى التهمت أكباد المصريين خلال العقود الثلاثة الماضية، وأعلنت مصر خالية من الفيروس سى، كما تصدرت صناعة الدواء الصورة مع هجمات فيروس كورونا، ونجحت الشركات المحلية فى توفير تصنيع الادوية الخاصة ببروتوكولات العلاج.
حسنا تفعل الحكومة لو التقت بممثلى صناعة الدواء سواء من شركات قطاع الأعمال، أو الشركات الخاصة للاستماع إلى آرائهم فيما يتعلق بتطوير وتحديث صناعة الدواء، مع ضرورة وجود رقابة دوائية دقيقة على هذه الصناعة، لكونها تخضع لمعايير دقيقة، فضلا عن التفكير فى ربط الصناعة بالبحث العلمى.
صناعة الدواء تمثل أحد الصناعات التى يمكن أن تساهم فى تغطية السوق المحلى، وأيضا التصدير بما يحقق أرباحا، تدعم عمليات التطوير والتحديث.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة