أحد أهم المخالفات التى شهدتها السنوات السابقة والتى كانت تشغل الحيز الأكبر للقضايا داخل المحاكم هى مخالفات البناء، ورغم تعديل العقوبة أكثر من مرة على المخالف سواء عقوبة الحبس أو الغرامة ورفع الحدين الأدنى والأقصى للعقوبة فى القانون رقم 119 لسنة 2008 "قانون البناء الموحد".
إلا أنه وجد المشرع أن المخالفات فى تزايد مستمر وأن العقوبة لا تحقق رادع بسبب عدم توافر أماكن للسكن واضطرار المواطن إلى البناء على الأراضى الزراعية، ودون الحصول على التراخيص، مما دعا المشرع إلى إقرار قانون التصالح مع المخالف مقابل دفع رسوم والمحافظة على البناء من قرارات الإزالة، وبعد فترة طويلة، البرلمان أقر "قانون التصالح فى مخالفات البناء"، وهذا يسمح لملايين المواطنين التصالح مع الدولة سواء كان البناء بدون الحصول على التراخيص اللازمة أو بناء على أراضى زراعية، ويسمح لهم أيضاَ بدخول المرافق، وعدادات المياه والكهرباء، وغيرها من المرافق.
لماذا لا تسقط مخالفات البناء بالتقادم؟
فى التقرير التالى، يلقى "اليوم السابع" الضوء على إشكالية فى غاية الأهمية تشغل ملايين الملاك والمستأجرين فى ظل أزمة تطبيق قانون التصالح فى مخالفات البناء تتمثل فى الخلاف الدائر حول القرار الإدارى هل يجوز أن يبقى قائماَ دون تقادم فى الوقت الذى يظل فيه القرار الإدارى موجودا قابل وواجب التنفيذ ما لم يلغى أو ينفذ وهو الأمر الذى يختلف فيه العديد من رجال القانون – بحسب الخبير القانونى والمحامى بالنقض أحمد غريب.
المشرع اعتبر السقوط للشق الجنائى فقط دون الإداري
فى البداية - بخصوص قانون التصالح وجدنا معظم الخلاف أن القرار الإدارى لا يجوز أن يبقى قائماَ ويكون سيفا مسلطا على الرقاب والجميع يتفق فى هذا الرأى، ولكن الواقع يؤكد أن قرار الإزالة يبقى موجودا قابل وواجب التنفيذ ما لم يلغى أو ينفذ، وللتوضيح أن الوقت مهما طال ليس سببا مجردا للاحتجاج به على عدم صلاحية قرار الإزالة للتنفيذ بل لابد من إجراء إما لإلغاء القرار أو جعله غير قابل للتنفيذ، وهذا لا يكون إلا بحكم قضائى، أما وأن التمسك فقط بمرور الوقت دون حكم قضائى، فلا يجوز أن تتمسك أمام جهة الإدارة لمجرد مرور وقت طويل على صدور القرار دون تنفيذه، وهذا ما تعلمناه أن قرار الإزالة ينفذ أو يلغى أو يعطل تنفيذه شريطة أن يكون ذلك بحكم قضائى – وفقا لـ"غريب".
ويؤيد ما نقول أن الحكم الصادر من الإدارية العليا، والذى جاء فيه: "أن تراخى الإدارة لمدة طويلة عن تنفيذ قرار الإزالة ترتب عليه استقرار مراكز قانونية لا يجوز المساس بها"، فقد صدر هذا الحكم ليرسى مبدأ قانونياَ علم حجة على الجميع، ويستفيد منه الكافة كأساس لإلغاء أو تعطيل تنفيذ القرار المماثل، ولكن ذلك من خلال طعن يقام على القرار أما الحكم ذاته فهو لرافع الطعن أما المبدأ فهو للكافة – الكلام لـ"غريب".
والقرار الإدارى يظل قائماَ وواجب التنفيذ ما لم يلغى أو ينفذ
ونبسط الموضوع ونسأل المختصين من المعلوم وحسب قانون الإجراءات الجنائية، فإن الدعوى فى الجنح تنقضى بمرور 3 سنوات من وقوع الجريمة أو آخر إجراء صحيح تم فيها السؤال هل لو صدر حكم غيابى فى جنحة بناء بدون ترخيص ألا يظل هذا الحكم قابل للتنفيذ مهما طالت المدة حتى يتم إلغاؤه بالطعن عليه والدفع بانقضاء الدعوى الجنائية بمضى المدة وصدور حكم مؤيد لهذا الحكم، هل يستطيع جهابذة القانون الاحتجاج أمام جهات تنفيذ الحكم الغيابى لمجرد مرور أكثر من 3 سنوات دون الحصول على حكم بذلك - الحكم الغيابى لا ينفذ ولكن يقاد الصادر ضده لعمل معارضة - هكذا قرار الإزالة يبقى ما لم ينفذ أو يلغى أو جعله غير قابل للتنفيذ، وهذا من جهة ومن جهة أخرى نرى أن قانون التصالح ليس سئ فى كل جوانبه، فليتكاتف الجميع للتقليل من أثره السيء المتمثل فى المغالاة فى مقابل التصالح والنظر فى الازالات التى تسبب حالات إنسانية – هكذا يقول "غريب".
أما من وجهة نظرى فإنه قانون أصلح للمتهم من نواح عدة:
أولا: هناك من صدرت ضدهم أحكام فى جنحة بناء بدون ترخيص أحكام بالحبس وأصبحت نهائية واجبة النفاذ، فجاء قانون التصالح كطوق نجاة لهم، فبمجرد التقدم للتصالح والحصول على ما يفيد ذلك تقف كل إجراءات التنفيذ، ويخلى سبيل من هو مفيد الحرية، وفى ذلك يكون قانون التصالح هو الأصلح للمتهم فالمقابل المادى مهما علا يكون أقل ضررا من تقييد الحرية وهذا مبدأ قانونى.
ثانيا: هناك من قام بالبناء بموجب ترخيص، ولكنه خالف رسومات الترخيص، فحجبت عنه المرافق ولم يكن له الانتفاع بعقاره إلا بتصحيح الأعمال وهذا تفوق تكلفة التصالح.
والسؤال الأخير - ألا يعلم القانونيين أنها ليست المرة الأولى التى يصدر فيها قانون تصالح فى جرائم البناء وصدر بنفس الفلسفة ولم يثر فى حينها كل هذا اللغط، لأن الدولة وهى التى أصدرته تراخت فى تطبيقه وكان يطبق بأثر رجعى أيضا وكان ذلك فى عام 1986.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة