أعاد فيروس كورونا ترتيب الأولويات، ومنح البحث العلمى دفعة قوية، وذكر العالم بأن هناك اختلالا فى الإنفاق على أبحاث الفيروسات والطب لصالح سباقات التسلح، كما ذكر الدول الكبرى أنها ليست بمنأى عن خطر التهديد، حيث العالم كله فى مرمى التهديد من وباء لا يفرق بين دولة متقدمة وأخرى فقيرة، بل أسرار الفيروسات ربما تكمن أكثر فى الدول الأقل تقدما، وربما فى الجنوب، ربما لهذا ظهرت دراسات وأبحاث فى دول النامية تحاول الإجابة عن أسئلة حول ماهية الفيروس، أيضا تشارك فى أبحاث إنتاج اللقاحات والعلاج.
وحتى فى الدول الكبرى التى تنفق بسخاء على البحث العلمى، كشف الفيروس عن تراجع فى الإنفاق على البحث الأكاديمى لصالح الأبحاث التطبيقية والصناعية، بينما التهديد يأتى من الثغرات ومن نقاط الضعف فى بنيان الدول والعالم، وبالرغم من أهمية التمويل وتوفير الموازنات للبحث العلمى، هناك عوامل أخرى بجانب التمويل تلعب دورا مهما.
ثم إن الدول الكبرى والمتقدمة ليست وحدها التى تحتاج إلى البحث العلمى والعلم، وهناك رأى مهم للعالم الكبير الدكتور مجدى يعقوب، يقول فيه عن الدول النامية ربما تكون بحاجة إلى العلم والبحث العلمى، أكثر من الدول المتقدمة، لأن الأخيرة استقر العلم لديها وأصبح جزءا من بنيان ونسيج المجتمع، لكن الدول الراغبة فى التقدم، تحتاج العلم والبحث العلمى أكثر، لأن توطين العلم له ثمار كبرى.
وبالفعل فإن العلامة الكبير مجدى يعقوب، يتحدث عن حقيقة واقعة، لان هناك دولا ثرية وحصلت على عوائد ضخمة من الثروات بباطن الأرض، ومع هذا لم تنجح فى بناء منظومة علمية أو حتى بناء صناعات ونظام تعليمى وعلمى مفيد، والنتيجة أن هذه الدول أنفقت الاحتياطيات الضخمة، ولم تلحق بركب التقدم، وظلت فى سياق الاستيراد والاعتماد على الخارج، بينما دول كثيرة ليس لديها موارد ولا ثروات نجحت فى مضاعفة ثرواتها، بفضل العلم النظرى والتطبيقى والتكنولوجيا. اليابان مثلا ليس لديها ثروات فى باطن الأرض ومع هذا تتصدر الاقتصاديات الأقوى فى العالم.
وبالنسبة لمصر، وهى دولة متوسطة لديها قاعدة تعليمية وعلمية معقولة، لكنها تعرضت للجمود والإهمال، ولديها إمكانية لإعادة ترتيب الأولويات، وتقديم العلم والبحث العلمى إلى مكانة متقدمة، وقد ورد اسم مصر من بين الدول التى تعمل فى أبحاث لقاحات مضادة لفيروس كورونا، حيث تجرى ثلاثة مراكز أبحاث تجارب على لقاح للفيروس، وهى خطوات جيدة حتى ولو لم تصل إلى نتائج قريبة، وأغلب التجارب الجارية فى أكسفورد وروسيا وأمريكا والصين لاتزال فى مراحل التجارب، بالرغم من أن هذه المراكز لديها إمكانات أعلى وشبكات اتصال، ويثور سؤال عما إذا كان الأفضل أن يجرى العمل من خلال فريق علمى يمكنها إنجاز المهام أسرع ويتبادل المعلومات حول الأبحاث، خاصة إذا كانت الأبحاث تجرى باتجاهات مختلفة.
والعمل العلمى من خلال فريق أمر معمول به فى الجامعات والمراكز الكبرى، وأغلب إن لم يكن كل النظريات والاستنتاجات الكبرى فى العلم، جرت من خلال فريق واسع، وهناك آراء مهمة للعالم الراحل وصاحب نوبل الدكتور أحمد زويل، كان يشير إلى أن أكبر الفروق بين الدول المتقدمة علميا وغيرها، هو أن الجامعات الكبرى تعمل من خلال فريق، وحتى نظريته فى «الفيمتو ثانية» فقد كان زويل رئيسا لفريق بحثى كبير.
الشاهد أننا نمتلك قاعدة علمية وتعليمية معقولة لكنها ليست البنية التى ترضى طموحات التقدم، لدينا أفراد متفوقون لكن ليس لدينا فرق بحثية يمكنها العمل معا، وكل هذا يمكن توفره حال إعادة ترتيب أولوياتنا بشكل يضع العلم والبحث فى المقدمة.