كان اللواء حسن باشا مدير جهاز أمن الدولة فى زيارة إلى ألمانيا، وقت وقوع الجريمة الإرهابية باختطاف «جماعة المسلمين» أو «التكفير والهجرة» بقيادة شكرى مصطفى للشيخ محمد حسين الذهبى وزير الأوقاف السابق يوم 3 يوليو 1977، وعاد إلى القاهرة يوم 5 يوليو، مثل هذا اليوم، 1977 وفقا لما يذكره اللواء فؤاد علام فى مذكراته «الإخوان وأنا»، وكانت القضية هى الشغل الشاغل للرأى العام فى مصر منذ وقوعها.. «راجع، ذات يوم 3 و4 يوليو 2020».
كان «علام» وقتئذ مسؤولا عن النشاط العربى فى «أمن الدولة»، ويتذكر أنه فور عودة أبوباشا، أمر وهو فى المطار بتشكيل مجموعة عمل من 20 ضابطا، وأسند إليه مهمة رئاسة هذه المجموعة، وحدد للضباط تكليفا بسرعة الوصول إلى مكان الذهبى وكشف غموض الحادث، ويذكر «علام» أنه من بين مهام العمل التى تم تقسيمها بين مجموعة الضباط أنه استدعى طلال الأنصارى الذى كان محبوسا فى سجن طرة، لتنفيذ حكم صدر ضده فى قضية الفنية العسكرية، ولأنه كان من قيادات «التكفير والهجرة» فى فترة سابقة، ويعلم الكثير عن أعضائها ومقار أوكارهم.. يؤكد علام: «أدلى لنا بمعلومات هامة فى هذا المجال».
فى نفس الوقت الذى كان «علام» وضباطه ينفذ خطته، كانت هناك جهود وساطة يقودها المحامى «شوكت التونى»، وحسب كتاب «جماعة المسلمين» لمحمد سرور زين العابدين، فإن «التونى» قال أمام المحكمة العسكرية العليا التى حاكمت المتهمين فى القضية: «إننى اطلعت على مبادئ الجماعة منذ ارتبطت بالدفاع عن أعضائها، ولاحظت أنها متشددة فى الدين، وفى مساء خطف الشيخ الذهبى، اتصل بى اللواء نبوى إسماعيل (نائب وزير الداخلية) وقابلته، وشرح لى ظروف الحادث، وطلب منى التوسط لدى الجماعة، وكان فى منتهى الجدية لإنقاذ الذهبى، وأكدت له أنه لن يمس بسوء، وأصدرت بيانا نشرته الصحافة والإذاعة والتليفزيون، ثم سافرت إلى أمريكا، وفوجئت بنبأ مقتله، وسألنى أساتذة الجامعة هناك عن إباحة الإسلام للقتل، وكنت أشرح لهم سماحة الإسلام».. يذكر «زين العابدين» أن المهندس عثمان أحمد عثمان شهد أمام المحكمة العسكرية، وقال إنه عرض على السلطة دفع المائتى ألف جنيه التى طلبتها «الجماعة» فى بيانها، مقابل الإفراج عن الذهبى، ورفض نبوى إسماعيل بإصرار لأن الإذعان لمطلب المجرمين سيؤدى إلى سقوط هيبة الدولة.
اللافت فى مجريات هذه القضية هو قول البعض بأن هذه الجماعة «التكفير والهجرة» كانت الدولة تعرفها منذ سنوات.. يذكر «زين العابدين» هذا الرأى مستشهدا بما يذكره الصحفى نشأت التغلبى فى استطلاع نشرته مجلة «الحوادث اللبنانية»، 29 يوليو 1977، وكان هو أول صحفى يصل إلى فيلا الذهبى بعد اختطافه، حيث اتصلت به أسماء ابنة «الذهبى»، ووصل فى الساعة الرابعة وأربعين دقيقة، أى بعد الاختطاف بأكثر من ساعتين، ويسجل فى استطلاعه: «الدولة تعرف هذه الجماعة منذ بضع سنين، ومع ذلك تركت لهم الحبل على غاربه، يعتدون ويضربون ويثيرون الرعب فى كل مكان لهم فيه موطئ قدم، ولم تتخذ موقفا حاسما إلا بعد قتل الذهبى».
ويعد هذا الرأى أحد الدلائل التى تؤيد الرأى بأن السلطة فى سبعينيات القرن الماضى كانت تفتح المجال واسعا أمام هذه التيارات الإرهابية لممارسة نشاطها، منذ أن أفرج السادات عن قيادة جماعة الإخوان من السجون، فى بدايات السبعينيات، وتحت غطائها ولدت وترعرعت الجماعات الإرهابية الأخرى.
يوضح مختار نوح فى «موسوعة العنف فى الحركات الإسلامية المسلحة»: «كان شكرى مصطفى» مواليد 1942، قرية أبوخرص، أسيوط، طالبا فى كلية الزراعة جامعة أسيوط، وعضوا بجماعة الإخوان عندما اعتقل عام 1965 (تنظيم سيد قطب)، وكان فى السنة الثالثة منقولا للسنة الرابعة بالكلية المذكورة، وظل فى الاعتقال حتى 1971، حيث أفرج عنه وأكمل دراسته الجامعية وبدأ فى تكوين جماعته».
يذكر الكاتب والباحث ماهر فرغلى فى كتابه «أمراء الدم» أن الشيخ خالد الزعفرانى الذى كان ثالث ثلاثة انضموا لجماعة شكرى، قال له، كان شكرى إذا رأى رؤيا أو حلما سرعان ما يتحقق، فأغواه ذلك أن يتصور أنه منصور من قبل الله، وأوصلته نفسه إلى أنه «مهدى هذه الأمة»، وأعطى أوامره بخطف الذهبى، ثم قتله على يد ضابط شرطة مفصول وعضو فى الجماعة، وتم العثور على جثته يوم 7 يوليو 1977.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة