أكرم القصاص - علا الشافعي

محمد حبوشه

جرائم "الأغا التركي" على أرض عمر المختار

الخميس، 09 يوليو 2020 11:36 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يبدو أن السراج وبطانته الإخوانية نسوا أن تاريخ العثمانيين فى ليبيا واحدا من أعنف تواريخ الاستعمار، نظرا لما تضمنه من اضطراب وصراعٍ على السلطة وعنف وصل حد الحصار حتى الموت جوعا وكذلك التهجير والذبح، ففى منتصف القرن السادس عشر وقعت ليبيا ضحية للعثمانيين، وعانى أهلها من ويلات القتل وقطع الرؤوس فى مجازر دامية، كما أفلست البلاد بسبب النهب المنظم لخيراتها عبر فرض الضرائب الظالمة حتى على المتسولين، بالإضافة إلى السرقة العلنية تحت أوهام الخلافة المزعومة.
 
ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه، مرة كمأساة وأخرى كمهزلة، الأولى فعلها سلاطين الدولة العثمانية البائدة، والثانية يكررها "رجب طيب أردوغان" الذى لم يكفه 4 قرون من الاحتلال وسفك دماء الأبرياء، إنما يعود حامل راية مشروع العثمانيين الجدد إلى بلاد عمر المختار، فى يده اليمنى أسلحة للإرهابيين وباليسرى ينهب خيرات ونفط البلاد.
 
جاء المستعمر العثماني من جديد مستغلا حالة الانقسام الحاصل على أرض ليبيا، واستغل الظروف المواتية، وتمت الموافقة على التدخل العسكري من قبل الجمعية الوطنية الكبرى لتركيا في 2 يناير 2020، ثم بدأ الانتشار العسكري التركي في ليبيا في 5 يناير، وكان الدعم التركي المباشر لحكومة الوفاق الوطني في ظاهره  يقول أنه عبارة عن مجموعة من مستشارين عسكريين يقدمون التدريب والدعم الفني في بداية الأمر، لكن الاتفاق توسع عبر بنود سرية، ومضى نحو الدعم الجوي من خلال الطائرات بدون طيار، وعناصر المخابرات، والدعم من سفن البحرية التركية للقوات البرية الليبية، هذا فضلا عن  نشر القوات والمعدات الخاصة بها، وقامت تركيا في الإطار ذاته بتوظيف ونقل المرتزقة السوريين من الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا لدعم وتعزيز القوى العاملة في حكومة الوفاق الوطني منذ ديسمبر 2019.
 
والواضح للعيان حاليا أن التدخل العسكري التركي في ليبيا يأتي الآن على جناح إحياء مشروع يهدف بالأساس إلى محاولة تأمين الوصول إلى الموارد والحدود البحرية في شرق البحر الأبيض المتوسط كجزء من مذهبها الخاص بالوطن الأزرق (بالتركية  Mavi Vatan)، الذي يسعى من خلاله نظام "أردوغان" الهيمنة التركية على "بحر إيجة وشرق البحر المتوسط والبحر الأسود"، ولأجل هذا الهدف تواصل تركيا سعيها نحو تحقيق طموحاتها الإقليمية بخوضها عددا من الحروب والجرائم العدوانية على أصعدة مختلفة خاصة، ومن ضمنها التصديق على الاتفاق البحري بين ليبيا وتركيا، والذي سمح للجيش التركي بالانتشار على الأراضي الليبية والعبث بمقدرات شعب وقع تحت وطأة المؤامرة الكبرى من جانب أطراف متعددة طمعا في ثروات ليبيا من النفط والغاز.
 
تسعى تركيا عبر مشروع "الوطن الأزرق" للتوسع في المياه البحرية المحيطة بها، ويقصد بـ "الوطن الأزرق"  المنطقة الاقتصادية الخالصة، والجرف القاري والمياه الإقليمية المحيطة بتركيا، التي تتيح حرية استخدام جميع الموارد البحرية الموجودة فيها، وتعادل مساحة "الوطن الأزرق" نصف المساحة البرية لتركيا، بحسب ما ذكره قائد الأسطول التركي المتقاعد، جيم غردينيز، لموقع  تركي في عام 2013، ومنذ بداية العام 2019 تصاعد الحديث عن ضرورة حماية المياه الإقليمية لتركيا، في مواجهة مشاريع استثمارية يونانية ومصرية في مياه المتوسط، ومع بداية يناير 2020، توصلت تركيا إلى اتفاق مع حكومة الوفاق الليبية، لترسيم الحدود البحرية بين البلدين، الأمر الذي رأى فيه الأتراك استعادة للسيادة البحرية الكاملة ومواجهة للتهديدات اليونانية والمصرية.
 
وإذا عدنا للتاريخ الأسود لآل عثمان، سنجد أنه خلال الحكم العثماني في ليبيا لم يكن هناك اهتمام لتأثير الجغرافيا البحرية في السياسة، ومع تأسيس "الجمهورية الأولى" منح مصطفى كمال أتاتورك الأولوية لبناء نظام دفاع قوي على ثلاث جبهات بحرية، ولم يكن هناك تصور خلال تلك الفترة حول ملكية وتوسيع نطاق المساحة البحرية، وفي العام 1936 قامت اليونان بخطوة أحادية، ووسعت حدودها البحرية من ثلاثة أميال بحرية لستة أميال من طرف بحر إيجة، وفي ذلك الوقت لم يكن لدى الدول الكبرى التكنولوجيا الكافية للبحث واكتشاف الثروات خارج المياه الإقليمية، وهو الذي لم يجعل الأمر مطلبا للعديد من الدول، ولم يحرك مخاوف تركيا تجاه الاستثمار في مياهها. 
 
ظني أن الأطماع التركية في ليبيا الآن تمثل تجديدا للتاريخ الدموي اللصوصي لأنقرة في البلاد العربية، خاصة أن هذه الأطماع ترتبط بخيانة داخلية، تكتب سطورها حكومة السراج، هذا السلوك التركي مثل تجاوزاً لأزمة ليبيا المنقسمة سياسياً وتوظيفاً لحالتها المضطربة، بما أربك كافة الأطراف المعنية، ذلك أن أنقرة لم تعد تستمر وحسب في سياساتها القائمة على دعم الميليشيات الراديكالية أو في دعم حكومة الوفاق سياسيا وعسكريا عبر شحنات السلاح التركية، التي تحولت مساراتها من السر إلى العلن، وإنما باتت أيضاً تستغل الحالة الليبية من أجل تعزيز مواقعها في مجابهة منافسيها الإقليميين والدوليين، بما يعني أن القيادة التركية لا تزال تصر على تحويل الصراع في ليبيا إلى حرب بالوكالة بين قوى خارجية.
 
ولقد بدا التبجح التركي مداه من خلال لغة خطاب الرئيس التركي التي تؤكد دائما على حق بلاده في التدخل بالشأن الليبي، معللاً ذلك باعتبار ليبيا "إرث أجداده" وجغرافيتها جزءًا من الإمبراطورية العثمانية، حسب تعبيره، ومن هنا أوضح ذلك بجلاء طبيعة المخططات التركية ونوايا وأطماع القيادة التركية في المنطقة العربية، والتي بدت ملامحها واضحة سابقا في سوريا والعراق، وحاليا في ليبيا، ففي خطاب إردوغان أمام منتدى TRT World والذي عقد في اسطنبول، حيث قال: "الأتراك يتواجدون في ليبيا وسوريا، من أجل حقهم، وحق إخوانهم في المستقبل"، ثم أردف قائلا: "الأتراك يتواجدون في جغرافيتهم احتراما لإرث الأجداد، فهم من نسل "يونس أمره"، في إشارة إلى القاضي العثماني الشهير، مضيفا: "تركيا وريث الإمبراطورية العثمانية"، مشيرا إلى سعيه لإحياء ما وصفه بالمجد القديم للأتراك.
 
ولأجل هذا الغرض الاستعماري أعلنت تركيا منذ اندلاع المعارك في العاصمة الليبية، طرابلس العام الماضي عن دعمها للميليشيات المسلحة وإمدادها بمعدات عسكرية، وذلك بهدف منع سقوط جماعة الإخوان، وتعمد في هذا إلى اتباع سياسات من شأنها التأثير سلبا على ملفات الصراع في ليبيا من أجل إطالة أمد الأزمة وتوظيفها في إطار صراعات تركيا المركبة مع الكثير من الأطراف، وسعت أنقرة إلى توسيع مجالات نفوذها على الأراضي الليبية، سيما في الجانب الغربي منها، ومن ثم، دعمت هذا النفوذ بالتعاون مع جماعة الإخوان، وعناصر الجماعة الليبية المقاتلة، فآوت أمراء الحرب الفارين من المعارك، وعالجتهم في مشافيها، وجعلت من أراضيها نقطة انطلاق لفضائيات "التكفير والتحريض" التي راحت تزيف الحقائق الموجودة على الأرض.
 
ويعد الأخطر من كل ذلك، هو تحويل ليبيا إلى ملاذ للتنظيمات الإرهابية وخاصة تنظيم داعش، وهو ما أكده أكد اللواء أحمد المسماري، المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي في أكتوبر الماضي، أن أعدادا كبيرة من الإرهابيين أطلق سراحهم من السجون وباتوا في أيدي الأتراك، محذرا في هذا الوقت من أن الرئيس التركي قد يعمل على إرسال الإرهابيين الموجودين في سوريا إلى ليبيا عبر موانئ ومطارات طرابلس ومصراتة وزوارة، وقد حدث بالفعل ولعلنا شاهدنا كيف قامت تركيا بإرسال قوات ومعدات عسكرية ثقيلة، وهو ما ترجم على الأرض في قاعدة "الوطية" العسكرية من منصات صاروخية حديثة ومتطورة لم تكشف عنها سوى في اللحظة التي تم تدميرها مؤخرا بـ 9 غارات من قبل "الطائرات المجهولة"، وبحسب ما ذكرت قناة "تركيا الآن"، فإن القوات التركية انسحبت من قاعدة "الوطية" بعد أن تكبدت خسائر فادحة جراء غارات الجيش الليبى وتدمير منظومة هوك للدفاع الجوى ورادارات تركية عبر تلك الغارات، ثم قصف رتل عسكرى كان فى طريقه لمنطقة الهلال النفطى.
 
70 مليون دولار تبخروا في قصف قاعدة "الوطية"، وخسائر أخرى بالجملة تعرضت لها تركيا فى الهجوم الأخير على القاعدة التي كان أردوغان كثيرا ما يتشدق بحصانتها، ومن أهم الاعترافات التى صدرت خلال الأيام الماضية، كان هذا الاعتراف الصادر عن  "حمزة تكن" الصحفى السورى الحاصل على الجنسية التركية والموالى لأردوغان بأن حجم خسائر تركيا من الغارات الجوية على قاعدة الوطية تجاوزت 70 مليون دولار تبخرت بالكامل، وقال نصا فى تغريدة له" 70 مليون دولار تكلفة تجهيزات منظومة الرادارات فى قاعدة الوطية تبخرت فجر اليوم بالكامل "معترفا: أن عدد القتلى من الأتراك يتجاوز الـ??، بينما الحقيقة المرة أن هناك أكثر من 65 قتيلا جراء تلك العملية.
 
وهكذا يظل أردوغان يرتكب جرائمه على أرض عمر المختار متحديا إرادة المجتمع الدولي الذي يستنكر تلك الممارسات المشينة والتي ليس هدفها وقف الصراع على ليبيا ولو كان بمساندة بعض أبنائه، لكن يبقى الهدف الأسمى هو السيطرة على النفط والغاز الليبي، حيث تواجه تركيا عجرا في النفط والغاز، وذلك فضلا عن تدهور الليرة مقابل الدولار في ظل اقتصاد متدهور، وأيضا وجود ضغوط داخلية من جانب المعارضة التي باتت تستقطب غالبية الشعب التركي ضد أردوغان وحزبه "العدالة والتنمية"، في وقت يتأجج فيه الصراع على آبار الغاز في شرق المتوسط الأمر الذي  دفع الحكومة التركية إلى توظيف الحالة الليبية في إطار صراعها متعدد المستويات مع أغلب الأطراف المعنية بهذا الملف.
 
ليبيا بلد غني بالنفط وبمخزونات الغاز وفي الوقت ذاته يتاخم طرق تجارية هامة في البحر المتوسط، ولأن ليبيا فقدت الاستقرار الداخلي منذ فترة ليست بوجيزة فإنها تجلب بسرعة أطماع الفاعلين الدوليين، وهو ما دفع تركيا إلى البدء مؤخرا في التنقيب عن النفط والغاز في المنطقة الشرقية من البحر المتوسط، وهذا القرار حمل بين طياته قوة نزاع كبير، لأن الاتحاد الأوروبي اعتبر تلك الأنشطة غير قانونية، ومنذ تلك اللحظة تطورت المنطقة إلى منطقة نزاع في السياسة الدولية، وفي هذا النزاع على السلطة تحتاج تركيا إلى حلفاء في جانبها، وحكومة طرابلس هى من يضمن الولاء لأنقرة.
 
وعلى هذا الأساس، فمنذ البداية دافعت تركيا عن العملية السياسية في ليبيا، وشددت على ضرورة حل الأزمة سياسياً، بعيداً عن الطرق العسكرية، لكنها غيرت مسار اللعبة الدائرة في ليبيا الآن، وساعدت قوات حكومة الوفاق في تحقيق تفوق عسكري، الأمر الذي داعب خيال "الأغا التركي" في السيطرة أكثر، ولعب  بورقة خبيثة مؤداها أن تركيا تمتعت بعلاقات جيدة مع كل الحكومات الليبية قبل الثورة وبعدها، وأبرمت ونفذت اتفاقات تعاون عديدة مع هذه الحكومات، ودائماً كانت لها إسهامات إيجابية في ليبيا، وحافظت على مصالح الشعب الليبي مع مصالحها، لذا يظهر بوضوح أن السياسات التركية هى الأقرب إلى تحقيق السلام الدائم في ليبيا، نظراً إلى أنها سياسات تستند إلى القاسم التاريخي والديني والثقافي والاستراتيجي المشترك مع الشعب الليبي.
 
هى خديعة كبرى يقوم بها أردوغان ومعاونيه من الداخل الليبي، وهذا يذكرنا بعام 1551، حينما وجه سكان ليبيا استغاثات إلى السلطان العثماني، لتحرير طرابلس من فرقة عسكرية صليبية تعرف باسم "فرسان القديس يوحنا"، وتمكن العثمانيون من تحرير العاصمة الليبية منتصف أغسطس 1551، وفي المقابل أصبحت ليبيا إحدى ولايات الحكم العثماني، ألم أقل أن التاريخ يعيد نفس بأللاعيب شيطانية مكشوفة. 
 









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة