نعيش أياما مباركة، ترتبط بالحج إلى بيت الله الحرام، ورغم الظروف الصعبة التى يعيشها العالم كله بسبب فيروس كورونا، فإن ذلك لم يمنعنا أن نحتفل بأيام الله المقدسة، ونتذكر كيف كان العرب يعبدون الله سبحانه وتعالى قبل الإسلام.
يقول كتاب "معجم آلهة العرب قبل الإسلام" لـ "جورج كدر" تحت عنوان "مذاهب العرب فى نُسكهم وحجّهم":
يقول ابن حبيب (المُحبَّر 182): كانت قريش سدنة العرب على دينهم وأمناءهم على قِبلتهم، وكان مُفتُوهم فى دينهم "بنو مالك بن كنانة".
وقد انقسمت العرب فى طقوس عبادتها وحجّها ونسّكها إلى ثلاث قبائل وهى الحمس والحلة والطلس، ويعدّ ابن حبيب أبرز الأخباريين العرب الذين خاضوا فى طقوس هذه القبائل وعنه أخذ الكثير من رواة الأخبار:
قبائل الحمس من العرب وكانوا يُسمّون "أهل الله" :
وهم: قريش كلها، وخزاعة لنزولها مكة، ومجاورتها قريشاً، وكل من ولدت قريش من العرب وكل من نزل مكة من قبائل العرب، وكانت الحمس قد شددوا على أنفسهم فى دينهم، فكانوا إذا نسكوا لم يسلؤوا سمناً، ولم يطبخوا أقطاً، ولم يدّخروا لبناً، ولم يحولوا بين مرضعة ورضاعها حتى يعافه، ولم يحركوا سعراً ولا ظفــراً، ولا يبتنــون فــى حجّهــم شــعراً ولا وبــراً ولا صــوفاً ولا قطنــاً، ولا يــأكلون لحمــاً، ولا يمــسّون دهنــاً، ولا يلبســون إلا جــديداً، ولا يطــوفون بــالبيت إلا فـى حـذائهم وثيابهم، ولا يمسّون المسجد بأقدامهم تعظيماً لبقعته، ولا يدخلون البيوت من أبوابها ولا يخرجون إلى عرفات، وكانوا يقولون: "نحن أهل الله"، ويلزمون مزدلفة حتى يقضوا نسكهم، ويطوفون بالصفا والمروة إذا انصرفوا من مزدلفة، ويسكنون فى ظعنهم قباب الآدم الحمر.
قبائل الحلة من العرب والطواف "عراة"
وهم: تميم بن مرّ كلها غير يربوع، ومازن، وضبّة، وحميس، وظاعنة، والغوث بن مرّ، وقيس عيلان بأسرها ما خلا ثقيفاً، وعدوان وعامر بن صعصعة، وربيعة بن نزار كلّها، وقضاعة كلّها ما خلا عكلافاً وجناباً والأنصار، وخثعم، وبجيلة، وبكر بن عبد مناة بن كنانة، وهذيل بن مدركة، وأسد، وطيء وبارق.
وكــــانت الحلــــة يحــــرّمون الصــــيد فــى النســك ولا يحــرّمون فــى غــير الحــرم، ويتواصــلون فــى النســك، ويمنــح الغنــى مالــه أو أكثــره فــى نســكه، فيســلأ فقــراؤهم الســمن، ويجتزّون من الأصواف والأوبار والشعار ما يكتفون له، ولا يلبسون إلا ثيابهم التى نسكوا فيها ولا يلبسون فى نسكهم الجدد، ولا يدخلون من باب دار، ولا باب بيت، ولا يؤويهم ظل ما داموا محرومين، وكانوا يدهنون ويأكلون اللحم، وأخصب ما يكونون أيام نسكهم، فإذا دخلوا مكة بعد فراغهم تصدّقوا بكل حذاء وكل ثوب لهم، ثم استكروا من ثياب الحمس تنزيهاً للكعبة أن يطوفوا حولها إلا فى ثياب جدد. ولا يجعلون بينهم وبين الكعبة حذاء يباشرونها بأقدامهم.
فإن لم يجدوا ثياباً طافوا عراة. وكان لكل رجل من الحلة حرمى من الحمس، يأخذ ثيابه فمن لم يجد ثوباً طاف عرياناً.
وإنما كانت الحلة تستكرى الثياب للطواف فى رجوعهم إلى البيت، لأنهم كانوا إذا خرجوا حجاجاً لم يستحلوا أن يشتروا شيئاً ولا يبيعونه حتى يـأتوا منازلهم إلا اللحم، وكان رسول الله صلّى الله عليه حَرَمِيّاً ل عِياضَ بن حِمار المُجاشِعيّ، لأنه عندما قدم عياض مكة طاف فى ثياب رسول الله صلّى الله عليه.
قبائل الطلس
قبائل الطلس هم سائر أهل اليمن، وأهل حضرموت، وعك وعجيب وإياد بن نزار.
وكــانت الطلــس بــين الحلــة والحمــس، يصـنعون فـى إحرامـهم مـا يصـنع الحلـة، ويصـنعون فـى ثيابـهم، ودخولـهم البـيت مـا يصـنع الحمـس، وكـانوا لا يتعـرّون حـول الكعبة، ولا يستعيرون ثياباً، ويدخلون البيوت من أبوابها، وكانوا لا يئدون بناتهم، وكانوا يقفون مع الحلة ويصنعون ما يصنعون.
طقوس الخصب والموت
عرفت العرب طقوس الخصب المقدس، وطقوس الاستسقاء التى كان الرجال والنساء فيها يخرجون بلباسهم الأبيض وراحة الطيب والبخور تفوح من أجسادهم، كما عرفوا طقوس التبرج والزينة وطقوس الجنس والرقص فى أعيادهم، ومنها على سبيل المثال لا الحصر أيام التشريق بعد يوم النحر، وهى ثلاثة أيام يُشرَق فيها اللحم ويبسَط فى الشمس بعد تقطيعه وتقديده، وهو طقس قديم استمر فى الإسلام، نجد له ذكراً فى حديث نبوي، معروف بحديث أيام التشريق الذى يقول فيه صلّى الله عليه وسلّم: "إنها أيام أكل وشرب وبِعال"، والبعال هو النكاح وملاعبة المرء أهله، وكان المنادى، يطوف بين الناس فى هذه الأيام، وهو ينادى بذلك، (راجع ذكر المعبود "الشريق" فى معجمنا.
لــم تقتصــر حيـاة العـرب الـدينية علـى طقـوس الحيـاة والخصـب، وإنمـا اشـتهرت لـديهم طقـوس المـوت، وكـان للعـرب مواضـع مشـهورة فـى النياحـة علـى الموتـى يـذكرها الهمدانى (صفة جزيرة العرب 322): خيوان، نجران، الجوف، صعدة، أعراض نجد، مأرب، وجميع بلد مذحج، يقول الهمداني: فأما خيوان فإن الرَّجل المنظور منــهم لا يزال يُنــاح إذا مــات إلــى أن يمــوت مثلـه، فيتصـل النـواح علـى الأول بـالنواح علـى الآخـر وتكـون النياحـة بشـعر خفـيف تلـحِّنُه النسـاء، ويتخالسـنه بينـهن وهـنّ يصحنَ، وللرجال من الموالى لُحُون غير ذلك عجيبة التراجيع بين الرجال والنساء. ويبدو أن النياحة لم تكن مقصورة على النساء النائحات، وإنما كان هناك طائفة من الرجال يسمّون البكّائين، يذكر منهم ابن الكلبى فى نسب معد واليمن الكبير (ص 386) هلا بن أمية بن عامر بن قيس بن عبد الأعلم بن عامر بن كعب بن واقف. وفى الإسلام اشتهر بكاء الرجال فى العبادة لدرجة أن ابن أبى الدنيا وضع كتاباً بعنوان الرقة والبكاء .
ومن أشهر مآتم البكاء، ما ذكره العباسى (فى معاهد التنصيص ص 45)، حيث ذكر مأتم الشاعر والفارس الجاهلى جعفر بن علبة الحارثى الذى وصف بأنه "أوجع وأحرق مأتماً" عرفته العرب، يقول العباسي: لما قتل جعفر قامت نساء الحى يبكينَ عليه وقام أبوه إلى كل ناقة وشاة فنحر أولادها وألقاها بين أيديها، وقال: ابكينَ معنا على جعفر، فما زالت النوق ترغو والشياه تثغو، والنساء يصحن ويبكين وهو يبكى معهن، فما رؤى يوم كان أوجع وأحرق مأتماً فى العرب.
الحج والطواف عراة
يقول علامة العراق محمد شكرى الألوسى فى كتابه مسائل الجاهلية (ص 38): ”فرضت الحمس على العرب قاطبة أن يطرحوا أزواد الحل إذا دخلوا الحرم، وأن يتركوا ثياب الحل، ويستبدلوها بثياب الحرم، إما شراء وإما عارية وإما هبة، فإن وجدوا ذلك فبها وإلا طافوا بالبيت عرايا. وفرضوا على نساء العرب ذلك، غير أن المرأة كانت تطوف فى درج مفرج القوائم والمآخير. قالت امرأة (وهى ضباعة بنت عامر بن صعصعة) وهى تطوف بالبيت عريانة تصف فرجها:
اليوم يبدو بعضه أو كله
وما بدا منه فلا أُحلّهُ
أخثم مثل القعب بادٍ ظله
كأن حُمَّى خيبر تملّه
قال: كان الحمس يدّعون أنهم على شريعة أبيهم إبراهيم عليه السلام وما ذلك إلا لجاهليتهم.
وفــى قولــه تعــالى فــى ســورة الأعــراف 31: {يَا بَنِى آَدَمَ خُذُوا زِيــنَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}، قــال الألوســى (ص 40): أى ثيــابكم لمــواراة عــوراتكم عنــد طــواف أو صــلاة. وســبب النزول أنه كان أناس من الأعراب يطوفون بالبيت عراة حتى أن المرأة كانت لتطوف بالبيت وهى عريانة، فتعلق على سفلها سيوراً مثل هذه السيور التى تكون على وجه الحمر من الذباب، وتنشد الأبيات السابقة.
وفى تفسير الآية 33 من سورة الأعراف {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّى الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ}، يقول الألوسى (ص 41): أى ما تزايد قبحه من المعاصى ومنه ما يتعلق بالفروج، وما ظهر من الزنا علانية وسراً. قال: وكانوا يكرهون الأول ويفعلون الثاني، فنُهوا عن ذلك مطلقاً. وعن مجاهد ”ما ظهر“ أي: التعرّى فى الطواف و”ما بَطن“ أي: الزنا. والبعض يقول: الأول طواف الرجال بالنهار والثانى طواف النساء بالليل عاريات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة