كل من تابع مسيرة فيروس الكبد الوبائى سى، وهجماته فى مصر، يدرك حجم ما تحقق فى القضاء على فيروس الذى أنهى حياة مئات الآلاف من المواطنين على مدى ثلاثة عقود.
وحتى سنوات قليلة كان يبدو أن فيروس سى كارثة يصعب مواجهتها، وأنها مستمرة ومتصاعدة تلتهم أكباد المصريين، خاصة الفقراء، الذين لم يكونوا قادرين على دفع ثمن علاج باهظ، وفى نفس الوقت كان العلاج بالكاد يسيطر على الأعراض من دون أن يقضى عليها. وحسب تقديرات وزارة الصحة فقد كان100 ألف مصرى يصابون سنويا بالفيروس، وكانت مصر من بين الأعلى فى العالم من حيث عدد من يحملون ذلك النوع من المرض.
تابعت ملف الصحة ومنه الفيروس الكبدى سى، لأكثر من عقدين، وتطورات العلاج والمواجهة، وأعرف أنه لا يوجد أسرة إلا وفقدت واحدا أو أكثر بالفيروس الكبدى. فقدنا أقارب وأصدقاء تساقطوا وسط عجز عن المواجهة.
بالطبع كان اختراع السوفالدى عن طريق الدكتور ريموند شينازى، وهو إيطالى يهودى من أصل مصرى، ثم إنتاجه على مستوى واسع ولعب دورا فى القضاء على الفيروس.
والخطوة الأهم التى اتخذتها مصر كانت مبادرة الرئيس السيسى بأن يتم التفاوض للحصول على الدواء، وهو ما تم وحصلت مصر عليه بأقل من 1 على الألف من سعره، فى دول مختلفة، وتضمنت المبادرة إتاحة السوفالدى والأدوية الأخرى التى تم بها تطوير العلاج، لكل مريض فى مصر من دون تفرقة.
خلال أقل من 6 سنوات سنوات قضت مصر تقريبا على الفيروس، وأعلنت منظمة الصحة العالمية الآن مصر أول دولة فى العالم تنجح فى القضاء على فيروس سى، وتحتفل مصر بخلوها من الفيروس.
وحسب بيانات لجنة مكافحة أمراض الكبد فقد تم علاج 3.4 مليون مواطن من فيروس سى خلال 6 سنوات.
وخلال سنتين من بدء العلاج أصبح البروتوكول المصرى لفيروس سى هو الأفضل والذى نجح فى إنهاء الفيروس، بينما بدأت بعض الدول العلاج فى نفس التوقيت ولم تحقق النتائج التى تحققت فى مصر. فقد كان يتم علاج مليون مواطن سنويا. حيث تم إطلاق حملة موسعة وصلت إلى كل مكان فى مصر حتى القرى النائية. وخلال حملة 100 مليون صحة تم عمل مسحات لأكثر من 60 مليون منهم 10 ملايين طالب، وأطلقت الحملة فى الميادين والشوارع ومحطات المترو والقطارات والجامعات والمدارس والوحدات الصحية.
كل من تابع مسيرة المرض ثم مبادرة العلاج لاشك يشعر بحجم ما تحقق، فى القضاء على أخطر فيروس هدد صحة المصريين خلال العقود الأخيرة، وبدا كأنه أزمة قدرية تستعصى على المواجهة. فعليا كان الفيروس الكبدى أخطر من تهديد كورونا، ولو تم عمل جدول رقمى مثلما يحدث مع كوفيد 19 لكانت النتائج مرعبة.
لقد كانت الجدية والدقة والتقنيات التى تمت فى الحملة أحد عناصر هزيمة الفيروس، بل أن مصر أصبحت قبلة لعلاج الفيروس، وتقدم خبراتها لدول أفريقية وغيرها من دول العالم. وهو ما يشير إلى وجود تراكم خبرات، يفترض أن يكون مع خبرات مواجهة كورونا، قاعدة لبناء خطط صحية حقيقية تتعامل مع الأمراض الأكثر خطرا وتهديدا. فضلا عن أنها تؤكد على أهمية توظيف وامتلاك العلم وتوظيفه فى صناعة الدواء والعلاج.