لازالت تتباين ردود الأفعال حول تصريحات رئيس الإدارة المركزية بمكتب رئيس مصلحة الضرائب، بأنه يتم إخضاع تاجر المخدرات إلى ضريبة الدخل، حيث أنه حال القبض عليه يتم إخضاع المضبوطات لضريبة الدخل، ويتم محاسبته مثله مثل أي ممول يزاول نشاط حتى لو كان النشاط غير قانونى، وفى حال اعتراف تاجر المخدرات أنه يزاول هذا النشاط منذ مدة زمنية محددة يتم أخذ ضريبة منه على هذه المدة.
تلك التصريحات التي ترجمت أو قد تكون فهمت عن طريق الخطأ جعلت بعض الأفكار التي يصفها المجتمع بالشاذة تطفو على السطح من جديد بعد أن اندثرت حيث خرجت علينا دعوات من أشخاص وكيانات تنادى للمطالبة بتقنين زراعة وتعاطى وتجارة مخدر الحشيش، وكذا تقنين ممارسة الدعارة على سند من القول لدى البعض إن تجارة الحشيش داخل مصر بلغ حجم التعامل فيها ما يزيد عن 22 مليار جنيه سنويا، وكذا ممارسة الدعارة التي تدر مليارات الجنيهات كما كانت في السابق في العهد الملكي، وإن من شأن تقنين هذه التجارة أن يتيح للدولة دخلاً ضريبياً يتجاوز 7 مليارات جنيه سنوياً، بدلا من ترك هذه التجارة المؤثمة لهواة الكسب الحرام، والهاربين من ملاحقة العدالة وسيف القانون.
هل المال الحرام عليه ضريبة؟
في التقرير التالي، يلقى "اليوم السابع" الضوء على إشكالية اقتراح الضريبة على تجارة المخدرات والدعارة بين الشرع والواقع والقانون، وذلك في الوقت الذى يعتبر فيه المال الحرام المكتسب بطريقة غير مشروعة من قمار أو دعارة أو مخدرات من الناحية الشرعية لا يتملك ولا ينتفع به حائزه، في الوقت الذى يتم إخطار الضرائب بهذه القضايا والعمل عليها، وتحصيل الضريبة لا يعد اعترافا بشرعية هذه الأنواع التى يجرمها القانون، ولكن اعتراف بإيراد يخضع للضريبة – بحسب خبير الضرائب والمحامي بالنقض جمال الجنزورى.
مصادرة أموال المتهمين
فى البداية، أن مسألة المال الحرام الذي يتم اكتسابه بطريقة غير مشروعة من قمار أو دعارة أو مخدرات من الناحية الشرعية لا يتملك ولا ينتفع به حائزه، ومن ثم لا ضريبة ولا زكاة فيه، ومن الناحية الواقعية والعملية داخل المجتمع الضريبى فإن مصلحة الضرائب المصرية تقوم بحصر هذه الأنشطة من داخل سجلات النيابات والمحاكم وتقوم بفتح ملفات لهم ومحاسبتهم ضريبيا وحجز ومصادرة أموالهم طبقا لحجم الصفقة والمصاريف والأرباح المحققة بغض النظر عن الحكم بالبراءة أو الإدانة – وفقا لـ"الجنزورى".
مخاطبة أصحاب النشاط المشروع
أما من الناحية الدستورية والقانونية - فمن غير المتصور أن المشرع الدستوري والقانوني فرض ضريبة على تجارة المخدرات وهو نشاط غير مشروع، فالمشرع الضريبي إنما يخاطب بأحكامه الممولين الذين يزاولون نشاطا مشروعا، دون أولئك الذين يتخذون من الجريمة وجهاً لنشاطهم إذ رتبت لهم القوانين العقابية جزاء لهم في أنفسهم - الاعدام والسجن والحبس والمراقبة القضائية - وفى أموالهم سواء "المصادرة أو الغرامة أو المنع من التصرف لزوجته وابناءه"، وقد تواترت أحكام المحاكم وأستقر قضاء محكمة النقض على مبدأ قضائي مؤداه أنه: "لا ضريبة على عمل غير مشروع كفله المشرع بقوانين جزائية تعاقب ممارسيه، وتصادر أموالهم الملوثة بالإثم والجريمة، باعتبار أن الأصل في التعامل الإباحة والمشروعية، فلا تعامل فيما هو غير مشروع".
الضرائب لا تكون إلا بقانون
وتعاقبت الدساتير وظل مبدأ دستوري هام حوته كل الدساتير المتعاقبة بالنص على أن: "إنشاء الضرائب وتعديلها والإعفاء منها لا يكون إلا بقانون"، والقوانين الضريبية المتعاقبة وصولا إلى قانون 91 لسنة 2005 لم تنص صراحة على اخضاع الأنشطة الغير مشروعة للضريبة على الدخل بل حددت أرباح النشاط التجاري والصناعي على أساس الإيراد الناتج عن جميع العمليات التجارية والصناعية - مادة 17 من ق 91 لسنة 2005- بل إن الايرادات الخاضعة للضريبة والمنصوص عليها بالفصل الأول من الباب الثالث من القانون سالف الذكر وتحديدا المادة 19 منه والتي حددت الإيرادات الخاضعة للضريبة على الأرباح التجارية والصناعية لم يرد بها الارباح المحققة عن التجارة غير المشروعة أو تجارة المخدرات بوجه خاص، وكل ما ورد بها هي أرباح محققة عن انشطة تجارية وصناعية مشروعة، ومن ثم فلا يتصور أن القانون الضريبي يخاطب تجار المخدرات وأصحاب الأنشطة غير المشروعة بأحكامه، وإن خاطبهم واخضعهم للضريبة فهو أمر غير دستوري – هكذا يقول الخبير الضريبي.
تأصيل أخر
وحول ما أثير فى هذا الشأن، يقول ياسر سيد أحمد، الخبير القانوني والمحامي بالنقض، إن تلك الدعوات وإن كانت محلا للمعارضة لدى الكثيرين من أصحاب الفكر والرأي غير أن من عارضوا ذلك جاء قولهم وتأصيلهم قاصراً على تناول واستعراض مواضع التحريم والتجريم فى إطار اقتضاء الضريبة عن مثل هذا النوع من النشاط غير أن صواب الأمر وصحيحة يستوجب ويقتضى أن يكون التأصيل متناولاً مرحلة فرض الضريبة على النشاط غير المشروع باعتبارها مرحلة سابقة على الاقتضاء، وفى سياق ذلك يكون الحديث عن مشروعية وشرعية محل الضريبة دستورياً وقانونياً وقضائياً وشرعياً بلوغاً إلى تأصيل القول بعدم شرعية ومشروعية دعوة هؤلاء.
من الناحية الدستورية
ووفقا لـ"أحمد" في تصريح لـ"اليوم السابع" - أولا من الناحية الدستورية: تعددت المبادئ الدستورية فى هذا الشأن، ومن هذه المبادئ مبدأ قانونية الضريبة، والذى مفاده أن إنشاء الضرائب وتعديلها والإعفاء منها لا يكون إلا بقانون، وذلك يعنى أن بنيان الضريبة من حيث النشاط الخاضع لها مع الأشخاص المخاطبين بأحكامها، ووعائها وكيفية وآجال اقتضائها لا يكون إلا بقانون، فهل من المتصور أن يخاطب القانون تجار المخدرات بالرغم من كونهم من أصحاب النشاط المنحرف والمؤثمة، فإن حددهم وخاطبهم بأحكامه، جاء القانون الضريبي متناقضاً مع ذاته، متعارضاً مع نصوصه متضارباً في أحكامه وقواعده معترفاً بأنشطتهم، وإذا خلا من تحديدهم ومخاطبتهم بأحكامه، فإن إخضاعهم للضريبة يضحى أمراً غير دستوري.
من الناحية الشرعية الإسلامية
ثانياً من الناحية الشرعية الإسلامية : من الثوابت الشرعية محل الإجماع أن المال الذى يحوزه صاحبه بطريق خبيث من طرق السحت والحرام كالسرقة وتجارة المخدرات لا ملك فيه، فالصحيح أن صاحب المال الحرام لا يتملكه حتى ولو اختلط بأمواله الحلال، وكل مال حرام يحرم على المسلم أن ينتفع به لخبث كسبه، وسداد الضريبة والوفاء بدينها للدولة من صور النفع المحرم شرعاً على حائز المال الخبيث، فالمال الحرام المكتسب بطريق غير مشروع من قمار أو دعارة أو مخدرات هو فى حقيقته الشرعية مال غير مقوم، لا يتملك ولا ينتفع به حائزه، ومن ثم لا ضريبة ولا زكاة فيه لفقدان حائزه شرط الملك التام، وذلك يعنى من الوجهة الشرعية أن يكون وعاء الضريبة ومحلها مالاً مشروعاً لا إثم فى اكتسابه – طبقا لـ"أحمد".
من الناحية القضائية
ثالثاً من الناحية القضائية: تواترت أحكام المحاكم وأستقر قضاء محكمة النقض على مبدأ قضائى مؤداه أنه لا ضريبة على عمل غير مشروع كفله المشرع بقوانين جزائية تعاقب ممارسيه، وتصادر أموالهم الملوثة بالإثم والجريمة، باعتبار أن الأصل فى التعامل الإباحة والمشروعية، فلا تعامل فيما هو غير مشروع، ومن الخطأ الجسيم أن ينسب الى المشرع أنه فرض ضريبة على تجارة المخدرات وهو نشاط غير مشروع، فالمشرع الضريبي، إنما يخاطب بأحكامه الممولين الذين يزاولون وجوه نشاط مشروعة فحسب، دون أولئك الذين يتخذون من الجريمة وجهاً لنشاطهم ومن جماع ما سلف يبين أن من دعوا الى تقنين الحشيش، ومن ناصرهم القول جانبهم الصواب باعتبار المشروعية كمبدأ لا يمكن تجاوزه وكقاعدة لا يمكن إغفالها أو إهمالها، بل إن فى التجاوز تعارضاً وتضارباً مع الأسس التى تقوم عليها العلاقة الضريبية، بحيث لا يكون هناك محل للمنازعة فى مباشرته أو مشروعيته وحتى لا يشكل الأمر خروجاً على شرع سماوى، أو تعارضاً مع تشريع وضعى، أو إخلالاً بمبدأ دستورى .
رأى محكمة النقض في الأزمة
هذا وقد سبق لمحكمة النقض التصدي لمثل هذه الأزمة في الطعن المقيد برقم 13264 لسنة 67 القضائية حيث قالت المحكمة بشأن إخضاع أرباح تجارة المخدرات والدعارة للضريبة أنه: "يجب التحرز في تفسير القوانين الجنائية والتزام جانب الدقة في ذلك وعدم تحميل عبارتها فوق ما تحتمل، وأنه متى كانت عبارة القانون واضحة الدلالة على مراد الشارع منها، فإنه يتعين قصر تطبيقها على ما يتأدى من صريح نص القانون".
إخضاع أرباح تجارة المخدرات والدعارة للضريبة
لما كان ذلك - و كان البين من النصوص سالفة البيان مجتمعة أن الشارع إذ ألزم الممول بتقديم إقرار عن مقدار أرباحه أو خسائره و إقرار بثروته و بإخطار مصلحة الضرائب بمزاولة النشاط و أوجب عليه أن يرفق بهذا الإخطار وتلك الإقرارات المستندات المؤيدة له وحساب الأرباح و الخسائر وأن يبين المبادئ المحاسبية التي استند إليها في تحديد أرباحه أو خسائره، فقد دل على أنه إنما يخاطب الممولين الذين يزاولون وجوه نشاط مشروعة فحسب دون أولئك الذين يتخذون من الجريمة وجهاً لنشاطهم ذلك فضلاً عن أن في تأثيم نشاط هؤلاء الذي قد يصل إلى حد الحكم بمصادرة الأموال المتحصلة من هذا النشاط .
وتُضيف "المحكمة" - ما يحقق القصاص فإنه لا يتأتى ــ في حكم العقل والمنطق ــ القول بأن النصوص آنفة البيان وردت في صفة عامة تشمل الوجوه كافة سواء كانت مشروعة أم غير مشروعى، لأن النشاط المؤثم خفي بطبيعته وظهوره إلى حيز العلانية يوجب إنزال العقاب بمن يزاوله، فلا يصح من ثم إلزام من يباشر مثل هذا النشاط أن يقر به لما ينطوي عليه ذلك من إجباره على الإقرار على نفسه بارتكاب فعل مجرم قانوناً وهو ممتنع وتتنزه عنه إرادة الشارع لمخالفته المبادئ الأساسية المقررة بالمادة 67 من الدستور من أن الإنسان برئ إلى أن تثبت إدانته".