صدر حديثا عن السلسلة الثقافية لكتاب اليوم "إمبراطورية الدم"، تأليف الكاتب والباحث الدكتور أسامة السعيد مدير مركز أخبار اليوم للتدريب والاستشارات الذى يكشف فيه عن حقائق الوجود التركى فى المنطقة العربية عبر قرون، مؤكدا أن الكتاب محاولة لقراءة ما بين سطور الماضى الذى تثير عواصفه رمال الحاضر المحتقن فى صحارى العرب، لتنقشع تلك الغمامة التى يريد الجهال والعملاء والمتلاعبون بالعقول أن يضعوها على أعيننا وعقولنا، وأن يهيلوا التراب على كل الحقائق، ليطمسوا الطريق الذى شقه أجدادنا بأرواحهم ودمائهم من أجل استقلال أوطاننا، ويعيدوننا إلى الوراء خمسة قرون كاملة إلى عهد الأغوات والخصيان وحريم السلطان!!.
الكتاب حافل بالحقائق التاريخية وانعكاساتها على أرض الواقع، وبخاصة حقائق الممارسات التاريخية التركية فى إهدار دماء العرب واستنزاف ثرواتهم، والتضحية بهم فى مغامراتها الخاسرة على الساحة الدولية، وكيف يعيد أردوغان اليوم تلك الممارسات التاريخية الدموية فى بلداننا العربية، تحت ستار العثمانية الجديدة، التى وللأسف الشديد تجد لها العديد من الدراويش والمسبحين بحمدها، والمخادعين المتلاعبين بالعقول.
ويشير علاء عبد الهادى رئيس تحرير كتاب اليوم فى افتتاحية الكتاب على أنه مهما ارتدى أردوغان من أقنعة، فإن صفاته وأفعاله تفضحه لأنه ابن شرعى لإمبراطورية قامت على سفك الدماء واحتلال أرض الغير، باسم رفع راية الإسلام، والنهب والسلب باسم الغنائم والفىء الذى يفىء الله به على عباده المجاهدين.
ويؤكد عبد الهادى على أن أردوغان يسعى إلى استعادة دور "الباب العالى" الذى كان يحج إليه الولاة بحثاً عن رضا خليفة المسلمين، ويجزلون له العطاء..أردوغان يبحث اليوم عن عطايا بلاد الإسلام فى شمال العراق، وشمال سوريا، والآن فى ليبيا، ولكن مشروعه يصطدم بمصر التى وقفت فى حنجرته لأنها عصية على البلع أو الهضم، فراح يترصد مشروع إعادة بناء مصر القوية العفية، لأنه يصطدم مباشرة بمشروعه التوسعى على حساب دول المنطقة.
الغريب والمحزن فى الأمر هؤلاء الذين يقدمون أنفسهم وأوطانهم عن طيب خاطر وبلا مقابل لهذا الخليفة العثمانى..ولا غرابة فى ذلك، دائما فى كل عصر هناك خونة ومتاجرون بمستقبل أممهم، تماماً كما كان هناك من يعتبرون انفصال مصر عن الباب العالى فى الأستانة خروجاً عن الدين الإسلامى وفسقاً، وكما كان هناك من يتحدث وبصوت عالٍ، ويروج للوجود البريطانى فى مصر، وأنه ليس احتلالاً .. إنهم الخونة فى كل زمان ومكان، وإن تستروا بمسوح الدين. وإذا أردت أن تفهم تصرفات أردوغان..فلن يأتى إليك ذلك من دون أن تعرف قصة هذه الإمبراطورية التى يسعى أردوغان إلى بعثها من جديد. ومن هنا تأتى أهمية هذا الكتاب الكاشف للتاريخ الحقيقى للإمبراطورية العثمانية.
يتضمن الكتاب عشرة فصول تتناول تاريخ الوجود التركى فى المنطقة العربية على مدى خمسة قرون منذ الغزو العثمانى للمنطقة فى 1516، وانعكاسات ذلك التاريخ التى يقول المؤلف أنها لا تزال ممتدة إلى اليوم، وأن ما تشهده المنطقة من تحركات تركية للاستيلاء على أراضى وثروات العديد من الدول العربية، ليس سوى محاولة لإعادة إحياء المشروع العثمانى القديم تحت مظلة “العثمانية الجديدة”، التى يتبناها نظام الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، ويعتمد على استغلال الأوضاع السياسية المضطربة فى العديد من دول المنطقة لاختراق تلك الدول والهيمنة على ثرواتها ومقدرات شعوبها.
ويناقش الكتاب العديد من الأفكار التى روجتها العثمانية الجديدة والتيارات الإسلامية المتحالفة معها حول حقيقة الوجود التركى فى المنطقة، ومن بينها أن سيطرة الدولة العثمانية على المنطقة العربية كانت "فتحا"، وهو ما يتناقض مع مفهوم الفتح الذى أرساه الإسلام للأراضى التابعة لدول وشعوب غير مسلمة، إضافة إلى أن الحكم العثمانى كان يتنافى مع مفهوم "الخلافة"، وهو المفهوم الذى جرى ترويجه على نطاق واسع من جانب القوى الإسلامية، فى محاولة لاستغلال المكانة الروحية التى يثيرها هذا المفهوم فى وجدان ملايين المسلمين.. ويفند الكتاب بالأدلة التاريخية زيف تلك المزاعم العثمانية.
كما يخصص الكتاب فصلا كاملا لتناول علاقة العثمانيين بالقضية الفلسطينية ، وهى القضية التى يشير إلى أنها واحدة من أكثر القضايا التى تم استغلالها لدغدغة مشاعر ملايين المواطنين العرب، من خلال اتخاذ مواقف تركية حماسية ضد إسرائيل فى العلن، فى مقابل سياسات وتفاهمات تركية - إسرائيلية، دفعت بالعلاقات الثنائية إلى مرتبة العلاقات الاستراتيجية، وأصبحت بموجبها أنقرة، وفى ظل حكم حزب العدالة والتنمية هى الشريك الأكبر تجاريا وعسكريا لتل أبيب.
ويوضح الكتاب أن موقف أردوغان وإصراره على تعزيز التعاون مع إسرائيل، ليس سوى امتداد لتاريخ طويل من العلاقات الحميمة بين الأتراك والإسرائيليين، فقد كانت تركيا ثانى دولة ذات أغلبية مسلمة تعترف بالدولة الصهيونية، وذلك عام 1949، إضافة إلى انحياز تركيا للعلاقات مع إسرائيل على حساب العلاقات العربية.
ويكشف الكتاب عن حقيقة التواطؤ العثمانى مع الحركة الصهيونية وتورط الباب العالى فى بيع الأراضى التى أقامت عليها الحركة الصهيونية العديد من المستوطنات الأولى على الأراضى الفلسطينية.
واستعرض الكاتب فى أكثر من موضع بالكتاب طبيعة العلاقة بين تركيا ومصر عبر مراحل تاريخية مختلفة، وكيف كانت مصر هدفا دائما لتآمر الأتراك، ومحاولة القضاء على الدور المصرى فى المنطقة، أو على الأقل تهميشه، وذلك من خلال التآمر بصور مختلفة على مصر وطمس شخصيتها القومية.
ويكشف الكتاب العديد من الحقائق حول الاختلافات الجوهرية بين المشروع التركى الذى يتبناه نظام أردوغان، وبين المشروع المصرى الذى تجسده ثورة 30 يونيو، وكيف أن كل منهما ينظر للمنطقة وللثوابت السياسية الأساسية نظرة مختلفة تماما، وأن تركيا تتعجل الصدام مع مصر، لأنها تدرك أن استعادة مصر لدورها الإقليمى بقوة، يمثل العقبة الرئيسية أمام تنفيذ مشروع العثمانية الجديدة.
ويتابع "السعيد"، بينما العالم يسابق الزمن للفوز بالمستقبل، نجد كثيرين فى منطقتنا العربية وحولها، لا يريدون لنا سوى الارتداد إلى الماضى فالبعض يريد الارتداد إلى الماضى تحت عباءة الدين، والبعض الآخر يريد إعادة عقارب التاريخ إلى الوراء، بحثا عن إرث بغيض ولى بغير رجعة.
ويشير المؤلف إلى أن منطقتنا العربية لن تنطلق إلى مستقبلها إلا عندما تتخفف من عبء الراغبين فى العودة إلى الوراء، سواء عن طريق تنظيمات "الإسلام السياسي" التى تمارس حرب تضليل لا تهدأ لخداع البسطاء بشعارات الدين، واستثارة المشاعر الدينية من أجل مصالحها السياسية، وتزيف وعى المخدوعين بأن الإسلام لا يقوم إلا ببناء "الخلافة" وكأن الإسلام لا يصلح لبناء المستقبل، ولا يمكن أن "ينهض" إلا بتوليهم السلطة.
وأضاف السعيد، أن هناك ما يمكن تسميته بـ"الحلف المدنس" بين معظم تيارات الإسلام السياسي، وتحديدا جماعة "الإخوان"، وبين "العثمانية الجديدة"، فكلاهما يعمل على تمكين الآخر، فـ"الإخوان" يمارسون الدجل السياسى والفكري، ليمهدوا الطريق أمام خليفتهم المزعوم أردوغان، وذلك الموهوم باستعادة ماضى أجداده البغيض يجيد امتطاء "حصان طروادة" الإخواني، فى محاولة لاختراق المجتمعات العربية والاستيلاء على ثرواتها، وممارسة دور الوصى على مقدرات شعوبها، وكأن التاريخ سيعود بنا إلى الوراء 500 عام!!.
فالكتاب يمثل صرخة استفاقة ووعى، فى وجه الكذابين والأفاقين والمتواطئين مع الاحتلال أيا كان جنسه أو لونه، فكما قام "المتأسلمون" بعدما زالت دولة العثمانيين، وتحالفوا مع الاحتلال البريطانى، وارتضوا النوم فى فراش أمريكا ليلا، وسبها فى تظاهرات النهار، هاهم اليوم يرتمون فى فراش "الأغا" الجديد، حالمين بأن يعودوا إلى السلطة فى ركاب "الخليفة المزعوم"، لكنهم ربما لم يقرأوا التاريخ ليعرفوا مصير أمثالهم، الذى عبر عنه المصريون بعبقريتهم الفريدة، وحكمتهم العميقة، فى ذلك المثل الشعبى البسيط الذى يصف من يخدمون الغزاة :"آخر خدمة الغز.. علقة". ويضيف أنه أراد أن يكون الكتاب محاولة لاستعادة الوعي، واستدعاء التاريخ لفهم بعض حقائق الواقع، لنعرف حقيقة المعركة التى تجرى على أرضنا العربية، وحجم ما يحاك لنا، وأبعاد الهاوية الذى يريدون أن تنزلق إليها المنطقة.