كان مولد الرسول الكريم حدثا عظيما، ظهرت فيه علامات لاحظها البعض، ووثقت فى كتب التراث، لكن ماذا عن حديث التاجر اليهودى الذى جاء إلى مكة للتجارة في أيام مولد الرسول الكريم؟.
يقول كتاب "البداية والنهاية" للحافظ ابن كثير تحت عنوان "فصل فيما وقع من الآيات ليلة مولده عليه الصلاة والسلام":
ذكرنا فى باب هواتف الجان ما تقدم من خرور كثير من الأصنام ليلتئذ لوجوهها وسقوطها عن أماكنها، وما رآه النجاشى ملك الحبشة، وظهور النور معه حتى أضاءت له قصور الشام حين ولد، وما كان من سقوطه جاثيا رافعا رأسه إلى السماء، وانفلاق تلك البرمة عن وجهه الكريم، وما شوهد من النور فى المنزل الذى ولد فيه ودنو النجوم منهم وغير ذلك.
حكى السهيلى عن تفسير بقى بن مخلد الحافظ، أن إبليس رن أربع رنات: حين لعن، وحين أهبط، وحين ولد رسول الله ﷺ، وحين أنزلت الفاتحة.
قال محمد بن إسحاق: وكان هشام بن عروة يحدث عن أبيه، عن عائشة قالت: كان يهودى قد سكن مكة يتجر بها، فلما كانت الليلة التى ولد فيها رسول الله ﷺ قال فى مجلس من قريش: يا معشر قريش هل ولد فيكم الليلة مولود؟
فقال القوم: والله ما نعلمه. فقال: الله أكبر أما إذا أخطأكم فلا بأس، انظروا واحفظوا ما أقول لكم: ولد هذه الليلة نبى هذه الأمة الأخيرة، بين كتفيه علامة فيها شعرات متواترات كأنهن عرف فرس، لا يرضع ليلتين، وذلك أن عفريتا من الجن أدخل أصبعه فى فمه فمنعه الرضاع، فتصدع القوم من مجلسهم وهم يتعجبون من قوله وحديثه.
فلما صاروا إلى منازلهم أخبر كل إنسان منهم أهله، فقالوا: قد والله ولد لعبد الله بن عبد المطلب غلام سموه محمدا. فالتقى القوم، فقالوا: هل سمعتم حديث اليهودى، وهل بلغكم مولد هذا الغلام؟
فانطلقوا حتى جاءوا اليهودى فأخبروه الخبر، قال: فاذهبوا معى حتى أنظر إليه، فخرجوا به حتى أدخلوه على آمنة فقالوا: أخرجى إلينا ابنك فأخرجته، وكشفوا له عن ظهره، فرأى تلك الشامة فوقع اليهودى مغشيا عليه، فلما أفاق قالوا له: مالك ويلك؟
قال: قد ذهبت والله النبوة من بنى إسرائيل، فرحتم بها يا معشر قريش، والله ليسطون بكم سطوة يخرج خبرها من المشرق والمغرب.
وقال محمد بن إسحاق: حدثنى صالح بن إبراهيم، عن يحيى بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة قال: حدثنى من شئت من رجال قومى ممن لا أتهم، عن حسان بن ثابت قال: إنى لغلام يفعة ابن سبع سنين - أو ثمان سنين - أعقل ما رأيت وسمعت، إذا بيهودى فى يثرب يصرخ ذات غداة: يا معشر يهود، فاجتمعوا إليه - وأنا أسمع - فقالوا: ويلك ما لك؟ قال: قد طلع نجم أحمد الذى يولد به فى هذه الليلة.
وروى الحافظ أبو نعيم فى كتاب (دلائل النبوة) من حديث أبى بكر بن عبد الله العامري، عن سليمان بن سحيم، وذريح بن عبد الرحمن كلاهما، عن عبد الرحمن بن أبى سعيد، عن أبيه قال: سمعت أبى مالك بن سنان يقول: جئت بنى عبد الأشهل يوما لأتحدث فيهم، ونحن يومئذ فى هدنة من الحرب فسمعت يوشع اليهودى يقول: أظل خروج نبى يقال له أحمد يخرج من الحرم.
فقال له خليفة بن ثعلبة الأشهلى كالمستهزئ به: ما صفته؟ فقال: رجل ليس بالقصير ولا بالطويل، فى عينيه حمرة، يلبس الشملة ويركب الحمار، سيفه على عاتقه، وهذا البلد مهاجره.
قال: فرجعت إلى قومى بنى خدرة، وأنا يومئذ أتعجب مما يقول يوشع، فأسمع رجلا منا يقول، ويوشع يقول هذا وحده؟! كل يهود يثرب يقولون هذا.
قال أبى مالك بن سنان: فخرجت حتى جئت بنى قريظة، فأجد جمعا، فتذاكروا النبى ﷺ، فقال الزبير بن باطا: قد طلع الكوكب الأحمر الذى لم يطلع إلى لخروج نبى أو ظهوره، ولم يبق أحد إلا أحمد، وهذا مهاجره.
قال أبو سعيد: فلما قدم النبى ﷺ أخبره أبى هذا الخبر، فقال رسول الله ﷺ: « لو أسلم الزبير لأسلم ذووه من رؤساء اليهود إنما هم له تبع ».
وقال أبو نعيم: حدثنا عمر بن محمد، حدثنا إبراهيم بن السندي، حدثنا النضر بن سلمة، حدثنا إسماعيل بن قيس بن سليمان بن زيد بن ثابت، عن أم سعد بنت سعد بن الربيع سمعت زيد بن ثابت يقول: كان أحبار يهود بنى قريظة والنضير يذكرون صفة النبى ﷺ، فلما طلع الكوكب الأحمر أخبروا أنه نبى وأنه لا نبى بعده، واسمه أحمد، ومهاجره إلى يثرب، فلما قدم رسول الله ﷺ المدينة أنكروا، وحسدوا، وكفروا.
وقد أورد هذه القصة الحافظ أبو نعيم فى كتابه من طرق أخرى ولله الحمد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة