كان المصري القديم منذ عصور ما قبل الأسرات يؤمن بالبعث والخلود أيمانا بعقيدته الدينية، وهي ما حدث للإله أوزوريس عندما قتله أخاه الإله ست وألقاه في نهر النيل إلي أن وصل للبحر المتوسط ومنه لجبيل بلبنان، وحينها بحثت الإلهة إيزيس عن جسد زوجها وقامت بتحنيطه بمساعدة أنوبيس الذي أرسله رع لكي يساعدها، ونفتيس التي كانت تندب هي وإيزيس على فقدان أوزير، ولكن أصبح أوزير ملك إله مملكة الموتى حينها وبعث من جديد حيث كان المصري القديم يؤمن بعوده الروح الي الجسد بعد الموت لكي يبعث ولكن بشرط أن يحفظ الجسد جيدا ولا يتحلل لكي تتعرف الروح عليه، ولذلك حنط أجساد موتاه وحافظ عليها جيدا لكي تتعرف عليها البا (الروح) بعد الموت.
أثرت أسطورة إيزيس في عقيدة المصري القديم وجعلته يحنط موتاه كي يصبح كل شخص متوفي مثل أوزير في العالم الآخر ويبعث من جديد وينعم بحقول الايارو (الجنة) في حضرة أوزير العظيم، في البداية لم يكن المصري القديم قاصدا لتحنيط جثمان موتاه بل الطبيعة من قامت بذلك حينما قام بدفن موتاه في عصر ما قبل الأسرات ومعهم كل ما يحتاجونه في العالم الآخر، وبفضل التربة الجافة وقساوة شمس مصر ورمالها حفظت الجثمان دون تحنيط، والدليل على ذلك مومياء تورين والتي هي محنطة بفعل الطبيعة.
بدأ المصري القديم عبر العصور تحنيط موتاه عن قصد وأخذ يطور من ذلك الي أن وصل إلي مرحلة لا بأس بها في عصر الأسرة الرابعة حيث وجدت آنية كانوبية وهي الآنية التي كانت تحمل أعضاء المتوفي كالكبد والمعه والرئة والأمعاء الغليظة للملكة "حتب حرس" أم الملك "خوفو"، ولكن لم يتم العثور على المومياء حيث تمت سرقتها والعثور على تلك الآنية يفسر أن المصري القديم كان على علم بالتحنيط جيدا في عصور قديمة ... لكن وللأسف بسبب سرقة قبور المملكة القديمة والوسطى لم يسعنا العثور على مومياء كاملة أجريت لها عملية التحنيط الكاملة إلي أن وصلت لنا أقدم مومياء كاملة وهي مومياء الملك "سقنن رع "من الأسرة السابعة عشر وفي هذا المقال سنفسر ونشرح مراحل عملية التحنيط وهي:
أين تحدث عملية التحنيط؟ وما هي مراحلها؟ وسعرها ومدتها الزمنية؟ .
أولُا أين تحدث عملية التحنيط؟؟
لم تشير المصادر بالشكل المباشر عن المكان الذي تحدث في عملية التحنيط ولكن من خلال بعض النقوش التي في المقابر وأغطية التوابيت تم الإشارة إلي مكان يسمي "وعبت" أي مكان التطهير أو المكان الطاهر، ويتفق العلماء على أن هذا المكان كان بجانب الجبانة بالبر الغربي وتم ذكر هذا المكان في برديه "آني" الشهيرة، كما نعرف أن هناك مكان أيضا يسمى "ايبو" وهو مكان خاص بالمياه التي تستخدم في عملية تطهير الجثمان، كما ذكر مكان أخر سمي "بر نفر" أي المكان الجميل ومن المحتمل أن يكون هذا المكان خاص بلف اللفائف الكتانية على جثمان المتوفي وخاص أيضا ببعض العطور الزيتية التي كانت يتم وضعها على جسد المتوفي من أجل الرائحة الجيدة ومعالجة الجسد.
- ثانياً ما هي مراحل عملية التحنيط؟
_أول مرحلة وهي تغسيل المتوفي بالمياه وذلك لشيئين، أولا إزالة الأوساخ عن الجسد، وثانيا ارتباط ذلك بعقيدة البعث كما يحدث مع الشمس، فالمصري القديم آمن بأن الشمس تغرب وتموت كل يوم وتشرق من جديد بعد اغتسالها في حقول الأيارو "الجنة" في الأفق الشرقي من السماء ذكرت عمليه الغسل والتطهير على جدران مقبره "جحوتي حتب" بدير البرشا.
_ثانيا مرحلة نزع المخ والأحشاء وبما أن جسد الانسان يحتوي على نسبة كبيرة من الماء مما قد يؤدي الي حدوث التحلل والتعفن، فكان المحنط ينتزع جميع الأعضاء الداخلية عدا القلب والكليتين، فكان ينتزع المخ من فتحتي الأنف أو من فتحة أسفل الرقبة من الخلف ثم يقوم المحنط بحشو لفائف من الكتان المشبع بالراتنج أو يترك المخ كما خوفا من تهشم الجمجمة أثناء إفراغها، لكن كان يقوم بوضح حبتين من الفلفل كما حدث مع مومياء الملك رمسيس الثاني ثم يقوم المحنط باستخراج جميع الأعضاء الداخلية (القلب والكليتين والكبد والرئة والمعدة والأمعاء الغليظة) وتنظيفها جيدا من بقايا الطعام والدماء ثم يضعها في محلول ملح النطرون مدة غير محددة ثم يقوم بدهنها بزيت الأرز ثم يقوم بوضع القلب والكليتين بعد معالجتهم، وذلك لأهمية القلب في محاكمة الموتى، لأنه مصدر النوايا وكان يقوم بوضع تميمة على شكل جعران تحوي الفصل 30 من كتاب الموتى لكي لا يشهد قلب المتوفي عليه، وكان يتم وضع الجعران لأن القلب كان من الممكن أن يتحلل فيكون الجعران محل القلب ومن ثم يتم وضع الاحشاء الداخلية كالمعدة والأمعاء الغليظة والكبد في "الآنيه الكانوبيه"علي هيئة أولاد حورس الأربعة.
_ ثالثا وضع مواد الحشو
كان يتم وضع مواد الحشو قبل وبعد عمليه التجفيف وكانت توضع قبل عمليه التجفيف لأن إذا تمت عملية التجفيف والجسم فارغ من الداخل فذلك سيسبب هبوط الجلد وتدهور مظهره ثم بعد عملية التجفيف كانت توضع لفائف مرة أخرى لتحل محل الأعضاء الداخلية، في أن يبدو الجسد ممتلئ وطبيعي بعد إزالة الأعضاء منه وأيضا قتل البكتيريا اذا تكونت بالداخل بمواد تقتل البكتيريا حيث كانت مواد الحشو عبارة عن ( ملح النطرون ونشارة الخشب العطري والمر والقرفة ولفائف كتانية مشبعة بالراتنج وهو سائل طبيعي يستخرج من اشجار العرعر والصنوبر) كانت هذه الخطوة هامة جدا حيث كان يجب ان يكون الجسد شبيها بما كان عليه لسهولة تعرف روحه عليه لكي يبعث .
_ رابعا التجفيف
كان يتم وضع ملح النطرون بكميات كبيرة جدا وهذا الملح يجلبونه من غرب الدلتا في وداي النطرون ليتم التخلص من جميع السوائل التي في الجسد وكانت تستغرق هذه الخطوة 40 يوما، وكان يصبح الجلد في هذه العملية متصلب وعرضه لأن ينكسر وكان يعالج المحنط هذه التغيرات في المرحلة الخامسة.
_ خامسا صب الزيوت العطرية والدهون
في المرحلة السابقة وبسبب انكماش الجلد واستخدام ملح النطرون الذي كان يتفاعل مع الجلد فيصبح لونه بني غامق وهذا هو سبب غمق جلد مومياوات مصر، وهذا الرأي العلمي لمن لا دراية لهم بعلوم التحنيط والذين كانوا يريدون أن ينسبوا حضارتنا الي حضارات أخرى بسبب اللون الداكن الذي اكتسبته المومياوات، أثر ذلك التفاعل الكيميائي بين ملح النطرون والجلد مما أدى الي الاحتراق، كما كان يعالج المحنط أيضا في هذه العملية تفتح مسامات الجلد وانكماش الدهون أسفل الجلد مما أدى الي صلابته.
_ سادسا الخطوة الأخيرة التكفين
بعد معالجة الجسد طبيا بالزيوت والعطور كان يتم تكفين الجسد بلفائف كتانية على مدار أسبوعين، وكان يتم لزق لفائف الكتان بعضها ببعض بواسطة الراتنج وفي أثناء التكفين كان يقرأ حين تلف كل لفافه من الكتان فقرة من فقرات تعاويذ كناب الموتى من أجل حفظ الجسد كما كان يتم وضع الباروكة والزينة الخاصة بالمتوفي والتمائم كجعران القلب، وكان الذي يقوم بهذه العملية الأخيرة كاهن يسمي "سشمو" وتنتهي عملية التحنيط بوضع القناع الجنائزي الخاص بالمتوفي وكان يصنع كشكل المتوفي لتتعرف عليه البا (الروح) وتندمج مع الجسد فيخلد ويعيش ابديا في رحاب الألهة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة