بالرغم من أن فيروس كورونا هو مرض لا يفرق بين البشر لم يكن التعامل معه بعيدا عن تأثيرات السياسة والاقتصاد والمنافسة العالمية بين دول وشركات، وحتى داخل المنظومات السياسة الواحدة، وأبرز دليل على هذا هو التعامل الأوروبى مع الإعلان الروسى عن طرح لقاح مضاد لكوفيد 19.
جاء الإعلان الروسى عن إنتاج اللقاح، بعد شهور تم خلالها الإعلان عن عدة مشروعات لإنتاج اللقاح، كان لقاح أكسفورد البريطانى الأقرب إلى الظهور أولا، وبجانبه كانت إعلانات عن أكثر من تجربة فى دول العالم المختلفة.
لكن روسيا استبقت وأعلن الرئيس فلاديمير بوتين عن الانتهاء من المرحلة الأهم فى تجارب اللقاح، وأن ابنته حصلت عليه وأنها بصحة جيدة، وأعلن وزير الصحة الروسى ميخائيل موراشكو أن اللقاح الذى نجحت روسيا فى تطويره ضد فيروس كورونا المستجد أثبت فاعليته وسيبدأ إنتاجه واستخدامه فى معالجة المصابين بالوباء قريبا، وأن إنتاجه سيتم فى غضون أسبوعين من الآن.
الإعلان الروسى بالطبع أربك حسابات الشركات العالمية والكثير من الصفقات للتعاقد على شراء جرعات من لقاح أكسفورد، وظلت التوقعات تشير إلى أن اللقاح لن يكون جاهزا قبل العام القادم، ولهذا ما إن أعلنت روسيا عن طرح اللقاح، حتى تنوعت ردود الفعل الأوربية، منها ما شكك مباشرة فى فعالية اللقاح، ومنها آراء ترى أن هناك عجلة لدى الجانب الروسى، أدت للإعلان عن الطرح قبل إتمام كل التجارب والتعرف أكثر على آثاره الجانبية إن وجدت.
الشكوك فى اللقاح الروسى بدأت من ألمانيا حيث تقول ألمانيا، إن على الروس إثبات أن معادلة استخدام لقاح كورونا الذى طوروه مقابل المخاطر إيجابية قبل البدء بتسويقه، مشككين فى فاعلية هذا اللقاح وسلامته، وشككت وزارة الصحة الألمانية فى «نوعية وفاعلية وسلامة» اللقاح لروسى وأعلنت متحدثة باسم الوزارة لمجموعة «آر أن دى» الألمانية: لا معلومات معروفة عن نوعية وفعالية وسلامة اللقاح الروسى، وقالت إن «سلامة المرضى فى الاتحاد الأوروبى على رأس الأولويات وقالت: الشرط المسبق للسماح باستخدام لقاح فى أوروبا هو المعرفة الكافية المستخلصة من التجارب السريرية لإثبات فاعلية الدواء وآثاره الجانبية، إضافة إلى الدليل على جودته الصيدلانية. وانضم وزير الصحة الفرنسى أوليفييه فيران إلى المتشككين فى اللقاح الروسى، وقال إنه ليس مضطرًا للثقة بلقاح كورونا الروسى، مؤكدًا أن بلاده تنتظر مختبرات كبرى للحصول على لقاح ضد الفيروس المستجد. وأضاف: «آمل أن يطور فى أقرب فرصة. يتحدث البعض عن توافره فى الخريف والبعض الآخر فى الفصل الأول من 2021».
فى المقابل دافعت روسيا عن اللقاح واعتبرت الرد الأوروبى نوعا من الغيرة، فضلا عن وجود ظلال سياسية، تمنع الأوربيين من استخدام اللقاح الروسى على الأقل فى الوقت الراهن. وزير الصحة الروسى ميخائيل موراشكو قال فى مؤتمر صحفى، إن روسيا ستعرض على شركائها الأجانب توريد لقاحها المضاد للفيروس التاجى أو إنتاجه فى بلادهم، مؤكدا أن مفاوضات بهذا الشأن جارية حاليا بمشاركة الصندوق الروسى للاستثمارات المباشرة، مشيرا إلى أن حملة التطعيم ضد كورونا فى روسيا ستكون طوعية حصرا.
وفى مواجهة التشكيك الغربى قال موراشكو: «اللقاح الروسى يعتمد على أرضية علمية ملموسة وموثوق بها، وأثبت فعاليته فى الاختبارات السريرية، واعتبر المواقف الأجنبية التى أعربت عن الشكوك بشأن فعالية اللقاح الروسى ليست حيادية. وأن «الزملاء الأجانب الذين يشعرون على الأرجح بالمنافسة والتفوق التنافسى للعقار الروسى يحاولون إبداء مواقف لا أساس لها إطلاقا، حسب رأينا.. لكن اللقاح الروسى، كما أكرر مرة أخرى، هو الحل الذى يستند إلى المعارف والمعطيات السريرية المحددة».
وبالرغم من هذه المناقشات تراهن روسيا على أن دولا مختلفة فى العالم سوف تنتظر وتتابع نتاج استعمال اللقاح مع أعداد أكبر وفى حال ثبوت فعاليته، سوف تضطر الدول للتعاقد عليه واستعماله، من دون أن تنتظر اللقاحات البريطانية والأوربية، التى ما تزال فى مرحلة التجارب، بل إنها تواجه هى الأخرى تشكيكا ومخاوف لدى الجمهور.
وسوف تحسم التجربة أى اللقاحات سوف ينتصر فى مواجهة الفيروس، وسط حرب باردة تحيط بمنافسة طبية وعلمية.