حالة من العنف باتت تهيمن بصورة كبيرة على المشهد السياسى في بيلاروسيا، في أعقاب الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة والتي أسفرت عن فوز الرئيس ألكسندر لوكاشينكو، لتصبح المنطقة، والتي تعد بمثابة عمقا استراتيجيا لموسكو، فى مواجهة ما يمكننا تسميته بـ"موجة ثورية" جديدة، في العمق السوفيتى القديم، مما يطرح تساؤلات حول ما إذا كانت الحكومة الروسية بصدد التدخل في المشهد البيلاروسى، في إطار مساعيها لحماية نفوذها واستعادة أمجادها الدولية كقوى دولية مهيمنة في إطار نظام دولى جديد، يشهد صعود قوى جديدة في المستقبل القريب.
ولعل المشهد البيلاروسى ليس جديدا تماما على موسكو، فقد سبق وأن واجهت مشاهد مشابهة، أقربها في أوكرانيا، عام 2014، عندما ثار الشارع على الرئيس الأسبق فيكتور يانكوفيتش، والمعروف بموالاته لروسيا، لتكون الإطاحة به من السلطة، دافعا للتدخل العسكرى الروسى، والسيطرة على شبه جزيرة القرم، وهى الخطوة التي أدت إلى فجوة كبيرة في العلاقات بين روسيا والغرب، مازالت تداعياتها قائمة حتى الآن، بل وتدفع في اتجاه تنبؤات باحتمالات دور روسى أكبر، في الأيام المقبلة لدعم لوكاشينكو
ويعد التزامن بين التطورات في بيلاروسيا، والتوغل العسكرى الأمريكي في بولندا، في إطار التعاون بين واشنطن ووارسو، والتوجه الأمريكي نحو تعزيز الوجود العسكرى في أوروبا الشرقية، سببا أخر لتوقعات تدور في فلك رد روسى قوى، لحماية منطقة تعد عمقا استراتيجيا مهما لها، خاصة وأن المعسكر الغربى يسعى لتطويقها للحد من نفوذها في مناطق نفوذها القديمة، وهو ما يمثل امتدادا لسياسات الغرب منذ نهاية الحرب الباردة.
إلا أن المقارنة بين الموقف الروسى من الأزمة الحالية في بيلاروسيا، من جانب، ومواقفها في الماضى من أوكرانيا (2014) وقبل ذلك من جورجيا (2009)، من جانب أخر، ربما يجد أن ثمة حالة من الهدوء في تعامل موسكو، مع التطورات في مينسك، وهو الأمر الذى يمكن إرجاعه إلى العديد من الأسباب، أولها أن المعارضين للوكاشينكو ليسوا محسوبين على المعسكر الغربى، فهم لا يطالبون بالانضمام للناتو أو للاتحاد الأوروبى، على عكس النموذج الأوكرانى، على سبيل المثال، والذى جاء ببترو بورشينكو، الموالى لواشنطن، في أعقاب الإطاحة بيانكوفيتش.
وهنا يتجلى الاختلاف بين بيلاروسيا وأوكرانيا بالنسبة لروسيا، فالانتماء لموسكو يمثل حالة من الهوى الشعبى في مينسك، وبالتالي لا يتوقف الارتباط بين البلدين على مجرد توجهات نظام الحكم، على عكس كييف، والتي يميل مواطنيها للغرب، ليصبح التدخل العسكرى المباشر لإنقاذ لوكاشينكو لا يمثل ضرورة قصوى للرئيس الروسى فلاديمير بوتين.
الهدوء الروسى في التعامل مع تطورات بيلاروسيا، يمثل تخليا عن لوكاشينكو، قد يحمل في طياته عقابا على قيام السلطات في مينسيك باعتقال صحفيين روس، مع بداية الأزمة الراهنة، أو محاولة لعقد صفقة من شأنها الحصول على مزايا أكبر، خاصة على الجانب العسكرى، كإنشاء قاعدة عسكرية كبيرة، هناك من شأنها تعزيز المكانة الروسية في المنطقة، التي قد تشهد تطورات كبيرة في المستقبل في ظل محاولات أمريكا والغرب المتواترة لاقتحامها.