توصلت دراسة جديدة إلى أن كريستوفر كولومبوس، لم يكن مسئولاً عن جلب مرض الزهرى إلى أوروبا، خاصة أنه طالما تم إلقاء اللوم على المستكشف وطاقمه لإحضار الأمراض المنقولة بالاتصال الجنسى إلى القارة بعد السفر إلى الأمريكتين، ومع ذلك، أظهر تحليل 6 هياكل عظمية فى فنلندا، واثنان فى إستونيا، وواحد فى هولندا، وأربع عينات إيجابية لبكتيريا الزهرى، واللولبية الشاحبة.
وتشير الدراسة إلى أن هذا يدل على أن المرض الذى ينتقل عن طريق الاتصال الجنسى كان ينتشر فى جميع أنحاء أوروبا فى أوائل القرن الخامس عشر، ونظرًا لأن كولومبوس لم يبحر حتى 3 أغسطس 1492، يقول العلماء فى جامعة زيورخ، إن المستكشف ومغامراته ليست السبب الرئيسى لتفشى مرض الزهرى الذى استمر ثلاثة قرون.
وتظهر فى إحدى الصور إصابات فى جمجمة شخص فنلندى مع علامات الإصابة باللولبيات، وهو تلف فى منطقة الوجه وإصابات فى الجمجمة، فيما تتبعت الدراسة تاريخ بكتيريا Treponema pallidum والأنواع المرتبطة بها، لمعرفة متى تم تداولها لأول مرة ومحاولة تتبع أصلها، وفى حين أنهم لا يستطيعون تفسير سبب تفشى المرض الذى عاث الخراب فى أوروبا من أواخر القرن الخامس عشر إلى القرن الثامن عشر، تعلم الباحثون المزيد من التفاصيل حول شجرة عائلة مرض الزهرى، وذلك وفقًا لما نشره موقع "the canadian".
وتقول الدراسة "كان الكامن داخل هيكل عظمى تم العثور عليه فى هولندا أحد أقارب فيروس الزهرى غير المعروف سابقًا.. وتطورت هذه السلالة بالتوازى مع مرض الزهرى والداء العليقى، ولكنها لم تعد موجودة كمرض حديث".
وقال المؤلف الأول للدراسة، الدكتور Kerttu Majander، "هذا الاكتشاف غير المتوقع مثير للغاية بالنسبة لنا، وأضاف: "النسب مشابهة وراثيًا لجميع الأنواع الفرعية الحالية من اللولبيات، ولكن لها أيضًا صفات فريدة تختلف عنها".
وتشير الدراسة أيضًا إلى أن مرض الزهرى ومسببات الأمراض ذات الصلة قد تطورت لأول مرة منذ حوالى 2500 عام، ولكن بالنسبة لمرض الزهرى التناسلى على وجه الخصوص، كان آخر سلف مشترك موجودًا بين القرنين الثانى عشر والسادس عشر.
واستخدم الباحثون تقنيات التأريخ بالكربون المشع التقليدية وتقنيات الحالة الجزيئية لتتبع الجينوم البكتيرى من أوائل القرن الخامس عشر، وقالت البروفيسورة فيرينا شونيمان، الباحثة المشاركة فى تأليف الكتاب، وهى عالمة فى علم الحفريات القديمة بجامعة زيورخ: "يبدو أن أول انتشار معروف لمرض الزهرى لا يمكن أن يُعزى فقط إلى رحلات كولومبوس إلى أمريكا، وتشير النتائج إلى أن الجينومات تعود إلى أوائل القرنين الخامس عشر والثامن عشر".
وكانت لندن فى القرن الثامن عشر تعانى من مرض الزهرى، وفقًا لدراسة وجدت أن واحدًا من كل خمسة أشخاص يعيشون فى العاصمة مصاب بمرض ينتقل عن طريق الاتصال الجنسى، كما وجد الباحثون أن سكان لندن الجورجيين كانوا أكثر عرضة للإصابة بالمرض 25 مرة من أولئك الذين يعيشون فى ريف شيشاير وشمال شرق ويلز.
كما تضمنت دراسة رئيسية أجراها باحثون فى جامعة كامبريدج بحثًا دقيقًا فى السجلات لهذه الفترة، بما فى ذلك حالات الدخول إلى المستشفى، لتقدير معدل الإصابة بمرض الزهرى لدى الرجال والنساء حتى سن 35 عامًا، والخُمس كان هو تقدير "موثوق به بحد أدنى" لانتشار المرض فى العاصمة، ويشير المؤلفون إلى أن مرض الزهرى كان مجرد قمة جبل الجليد، كذلك كان هناك عدد أكبر بكثير من الإصابة بمرض السيلان أو الكلاميديا مقارنة بمرض الزهرى فى هذه الفترة، وفقًا للمؤرخين وراء الدراسة.
وأكد الفريق البحثى، أن الغالبية العظمى من الأشخاص الذين يعيشون فى العاصمة من المحتمل جدًا أنهم أصيبوا بمرض منقول جنسيًا من نوع أو آخر عندما كانوا صغارًا، وهذا يحل النظرية القائلة بأن تفشى مرض الزهرى نتج عن عودة البحارة الذين يستخدمون نساء أمريكيات أصليات لممارسة الجنس.
وقبل هذه الدراسة، كانت أول حالة مسجلة بين جنود المرتزقة الفرنسيين فى عام 1495، بعد سنوات قليلة من عودة كولومبوس إلى أوروبا بعد اكتشافه "العالم الجديد"، ثم حدث ذلك أيضًا فى نابولى، بعد الغزو الفرنسى أثناء الحرب الإيطالية فى عام 1494-1998، ولهذا السبب يُشار إليه أحيانًا باسم "المرض الفرنسى".
وهناك أنواع أخرى من T. pallidum، مثل الداء العليقى، التى تنتشر من خلال ملامسة الجلد للجلد أو عن طريق الفم، وليس الجماع، وقد تم التعرف على الداء العليقى فى بقايا أحد الأفراد، واليوم، يوجد المرض فقط فى المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية، ونادرا ما تنتقل العدوى المزمنة عن طريق الجنس، بل يؤثر على الجلد والعظام والغضاريف ولا يزال موجودًا فى المجتمعات الفقيرة فى إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.
بدوره، قال البروفيسور شونمان: "تشير بياناتنا إلى انتشار الداء العليقى فى جميع أنحاء أوروبا.. لم يقتصر الأمر على المناطق الاستوائية ، كما هو الحال اليوم"، وقد نشرت كل هذه النتائج فى مجلة Current biology.
وتقول الدراسة "يمكن أن يكون مرض الزهرى مميتًا إذا ترك دون رادع، ولكن غالبًا ما يتم استبعاد شدته بسبب توفر المضادات الحيوية.. والآن هو ينتشر بمعدل ينذر بالخطر"، كما أظهرت البيانات الرسمية أن الحالات فى إنجلترا زادت بنسبة 20% بين عامى 2016 و2017، لتصل إلى أعلى رقم تم الإبلاغ عنه منذ عام 1949، وبهذا فإنها الأسرع نموًا فى مجال الأمراض المنقولة بالاتصال الجنسى فى المملكة المتحدة، فيما يلقى الخبراء باللوم على الشعبية المتزايدة لتطبيقات المواعدة.
وعلى مدى العقود الماضية، أصيب أكثر من 10 ملايين شخص حول العالم، ففى عام 2018، تم تشخيص أكثر من 7137 حالة، ارتفاعًا من 2874 حالة فى عام 2008، وينتقل مرض الزهرى عن طريق الجنس غير الآمن، وإذا ترك دون علاج يمكن أن يسبب مشكلات صحية خطيرة.