تحل اليوم الموافق 29 أغسطس 2020 الذكرى الـ 54 لإعدام الكاتب والقطب الإخوانى سيد قطب، فى القضية المعروفة إعلاميا بـ"تنظيم 1965 السرى"، وذلك لاتهامه بالتخطيط للانقلاب على الدولة وواضع خطط اغتيال الرئيس عبد الناصر وكبار المسئولين وقتها، فضلا عن التخطيط لنسف القناطر الخيرية وبعض الكبارى ومحطات الكهرباء والمياه لعمل فوضى تؤدى لوصول الإخوان للسلطة.
سيد قطب.."مفتى الموت"
"سيد قطب" لقب بـ"مفتى الموت" حيث كان يمثل الأب الروحي لأعضاء جماعة الإخوان الإرهابية، فهو بمثابة أكثر الشخصيات تأثيرًا في الحركات الإسلامية – حسب زعمهم - والإرهابية في بداية الخمسينيات من القرن الماضي، حيث حُكم على "قطب" بالإعدام مع 7 آخرين، وتم تنفيذه بعد أسبوع واحد فقط في 29 أغسطس 1966.
القطب الإخوانى سيد قطب بالنسبة لشباب وقيادات جماعة الإخوان هو الأب الروحى الذى استطاع أن يربط بين كل أجيال الجماعة الإرهابية قديما وحديثاَ من خلال الربط الوثيق بالفكر القطبى للمنظر الأول للجماعة بعد المؤسس حسن البنا، حيث تنسج جماعة الإخوان حول "قطب" وإعدامه الأساطيل والخرافات حتى يكون بالنسبة للأجيال المقبلة بـ"شهيد الجماعة" وضمن هذه الخرافات بأن دمه سيصبح لعنة على قاتليه.
علاقة سيد قطب بقيادات الإخوان الحاليين
والدليل على ربط أفكار سيد قطب بأعضاء جماعة الإخوان قديما وحديثاَ أن المعزول محمد مرسي حينما وصل إلى سجن برج العرب قبل البدء فى محاكمته، طلب من الجهات المعنية وقتها الحصول على جميع كتب سيد قطب، وفى مقدمتها كتابى تفسير "معالم على الطريق" الذى كان الشرارة الأولى لتشكيل وجدان الإرهاب ليس فى مصر فقط بل على مستوى العالم، وكذا كتاب "فى ظلال القرآن" لتصبح كتب "قطب" أنيس "مرسى" فى سجنه.
طلب والحاح المعزول محمد مرسى كتب وتصانيف "سيد قطب" تكشف المدى الوثيق ومدى تأثر المعزول بـ"الفكر القطبي"، عليه وعلى أعضاء مكتب الإرشاد وعلى رأس هؤلاء المرشد العام لجماعة الإخوان محمد بديع ومحمود عزت ومحمد كمال وخيرت الشاطر وغيرهم من أعضاء مكتب الإرشاد الذين يطلق عليهم بـ"القطبيين"، الذين استطاعوا نشر الفكر المتطرف بين شباب الجماعة وبث السموم الفكرية بإسم "الدين" خلال فترة حكمهم وتطبيق نظرية "التمكين" عقب ثورة 25 يناير.
فى الحقيقة قبل 25 يناير 2011، حدثت العديد من الوقائع التى تُشير بل تؤكد بما لا يدع مجالا للشك مدى ارتباط أعضاء الجماعة الإرهابية وخاصة الصف الأول من القيادات بـ"مفتى الموت" سيد قطب، فقد جرى ندوة لأحد القنوات الخاصة قبل 25 يناير بنحو عام ونصف، وشارك فيها عدد من الأقطاب الإخوانية وعلى رأسهم محمد مرسى ومحمود عزت، كممثلين للجماعة حيث أكد "مرسى" خلال الندوة أنه يعيش فى كتابات سيد قطب التى صارت جزءا لا يتجزأ من حياته، وردد قائلاَ وقتها: "صحيح أن سيد قطب، يقول نصوصًا تكفيرية، إلا أننا لا نعتبرها تكفيرية، بينما هى نصوص تحرك الوجدان وتتحدى العقل".
قطب وفكرة التمكين والحاكمية
ما ذكرناه فى السطور الماضية لا يمثل فى حقيقة الأمر سوى غيض من فيض يكشف بشكل واضح وصريح مدى العلاقة الوثيقة التى تربط بين قيادات الجماعة الإرهابية الذين ما أن شرعوا فى إفتاء قيادات الجماعة الوسطى والدنيا بضرورة الخروج على الحاكم بقوة السلاح بإسم فكرة "الحاكمية" المتمثلة فى تحكيم شرع الله، وذلك بناءاَ على فكر المنظر الأول ومفتى الموت "سيد قطب" الذى قبل أن ينضم إلى جماعة الإخوان الإرهابية كان يُعد من أحد شعراء ونُقاد جيله.
"سيد قطب" بعد عودته من بعثته الدراسية فى الولايات المتحدة الأمريكية، وبعد انضمامه بشكل مباشر للجماعة الإرهابية تحول من أديباَ كما يراه البعض إلى "مفتى للموت"، تاركاَ وراءه "التفكير" متجهاَ إلى "التكفير"، حيث أسس لأفكار الجاهلية والحاكمية، الأمر الذى أدى معه إلى إفراز التنظيم القطبى الذى كان بمثابة نواة للتنظيمات والجماعات الجهادية، أمثال جماعة الجهاد والتكفير والهجرة والجماعة الإسلامية وصولاَ لجبهة النصرة فضلاَ عن تنظيم القاعدة وتنظيم "داعش" رغم نسبته للسلفية الجهادية، إلا أن القيادات موصوفة كونها "قطبية المنهج".
كتاب معالم على الطريق..واغتيال ناصر
كتاب "معالم على الطريق" لصاحبه سيد قطب الذى أطلق فيه تجلياته الشيطانية بوصف المجتمعات العربية والإسلامية البعيدة عن تطبيق الشريعة - على حد زعمه - بأنها مجتمعات جاهلية لابد من نسفها فكرياَ وعملياَ، وأن الحكام فيها والمحكومين "جاهلين" لابد من التصدى لهم بكل السُبل، كما أكد "قطب" فى هذا الكتاب الذى يُعد بمثابة "نواة الإرهاب فى العالم" لفكرة الحاكمية الإلهية معتبراَ أن من يطبقون القوانين الوضعية ينافسون الإله سبحانه وتعالى فى حكمته وحكمه، وبعد نشر الكتاب بعام تقريباَ حُكم على "قطب" فى قضية من أخر قضايا العصر الحديث بمحاولة إغتيال رئيس الجمهورية آنذاك جمال عبد الناصر وتفجير القناطر الخيرية والتجهيز لانقلاب مسلح، والترويج لأفكار تكفيرية.
ضمت القائمة فى قضية التنظيم السرى 1965، الأب الروحى للجماعة سيد قطب كل من محمد بديع المرشد الحالي للجماعة، والمحبوس حاليا فى عدد من القضايا الإرهابية، والقطب الهارب محمود عزت نائب المرشد العام ورمز القطبيين القوى، ورشاد بيومى وجمعة أمين، وما يقرب من 80% من أعضاء مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان كانت علاقتهم الأولى منذ الشباب بالإخوان وبالسجون من خلال سيد قطب الذى ترك أفكاره الظلامية والدموية داخل عقولهم.
المجتمع الجاهلى فى فكر قطب
سيد قطب صاحب كتاب "معالم على الطريق" الذى كان بمثابة "القنبلة الموقوتة" يرى أن المجتمع المسلم الحقيقى، هو الذى يُحكم ويرضخ بالشريعة الإسلامية وليس الذى يتكون من أفراد مسلمين، حيث أن المجتمع المعاصر – على حد زعمه - "جاهلى" فيقول فى كتابه: "نحن اليوم فى جاهلية كالجاهلية التى عاصرها الإسلام أو أظلم، كل ما حولنا جاهلية، تصورات الناس وعقائدهم، عاداتهم وتقاليدهم، موارد ثقافتهم، فنونهم وآدابهم، شرائعهم وقوانينهم، حتى الكثير مما نحسبه ثقافة إسلامية، ومراجع إسلامية، وفلسفة إسلامية، وتفكيرا إسلاميا، هو كذلك من صنع هذه الجاهلية".
وفى الحقيقة استطاعت هذه الأفكار الضالة لصاحبها سيد قطب وصلت إلى نتيجة حتمية لابد من الإيمان والدعوى إليها وهى للقضاء على تلك الجاهلية لابد من تكوين ما يسمى بـ"العصبة المؤمنة" للوصول بشكل صريح إلى تنفيذ فكرة "التمكين" لتحقيق حاكمية الله على الأرض، والتى لا يمكن تنفيذها من الناحية العملية إلا من خلال الاستيلاء على السلطة كالشرارة الأولى ونقطة البداية لبناء المجتمع والقضاء على الجاهلية – بحسب وصفه.
نواة الإرهاب فى العالم
وفى عام 1963 كانت الطامة الكبرى حينما تسربت أفكار وكتابات المنظر الأول للجماعة سيد قطب إلى عدد من قيادات التنظيم السرى لجماعة الإخوان خارج السجون، وبحلول عام 1964، تكونت مجموعة سرية من قادة شباب جماعة الإخوان الإرهابية، تدعو للفكر القطبى حيث نجحت فى اجتذاب السواد الأعظم لمسجونى سجن القناطر من الشباب، فتوسع التنظيم ليضم أكثر من مائتى شخص، ومع خروج سيد قطب من السجن فى مطلع 1965 تولى قيادة التنظيم الناشئ، إلا أن إعدام الإرهابى "سيد قطب" لم يضع نهاية للقصة، فقد صارت أفكاره المسمومة تجد طريقها إلى الانتشار حتى أصبحت هى الأساس الفكرى الأهم لحركات الإسلام الجهادى التى لازالت يعانى منها العالم أجمع والدولة المصرية بصفة خاصة حتى كتابة تلك السطور.
مشوار قطب التعليمى
يشار إلى أن سيد قطب ولد في قرية موشة بمحافظة أسيوط، في 9 أكتوبر 1906، والذي يعد من أكثر الشخصيات تأثيرًا في الحركات الإسلامية في بداية الخمسينيات من القرن الماضي، حيث تلقّى دراسته الابتدائية في قريته، وفي سنة 1920 سافر إلى القاهرة، والتحق بمدرسة المعلمين الأوّلية ونال منها شهادة الكفاءة للتعليم الأوّلي، ثم التحق بتجهيزية دار العلوم، وفى سنة 1932 حصل على شهادة البكالوريوس في الآداب من كلية دار العلوم، وعمل مدرسا حوالي 6 سنوات، ثم شغل عدة وظائف في الوزارة.
وساهم في تشكيل الهيئة التأسيسية لجماعة الإخوان الإرهابية، وعمل في قسم الدعوة وتعرض للتحقيقات التي تعرضت لها قيادات الجماعة في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر إثر حادث المنشية في 1954 الذي اتهمت فيه جماعة الإخوان، وتم الحكم عليه بالسجن لمدة 15 عاما، وتدخل الرئيس العراقي الأسبق عبد السلام عارف لدى عبدالناصر للإفراج عنه في مايو 1964، وبتاريخ 30 يوليو 1965، ألقى القبض على شقيقه محمد قطب وأرسل قطب رسالة احتجاج للمباحث العامة في 9 أغسطس 1965، فكانت سببًا في القبض عليه مجددا مع أعضاء من جماعة الإخوان، وحُكم عليه بالإعدام مع 7 آخرين، وتم تنفيذه بسرعة بعد أسبوع واحد فقط في 29 أغسطس 1966.