عبد العرب قبل الإسلام الأصنام، وصار لكل قبيلة أصنامها، لكن كيف بدأت هذه العبادات تدخل إلى الجزيرة العربية بعدما كانت سنة إبراهيم عليه السلام هى السائدة فيهم، وما الذى يقوله التراث الإسلامى فى ذلك؟
يقول كتاب البداية والنهاية تحت عنوان "قصة خزاعة وعمرو بن يحيى وعبادة العرب للأصنام"
استمرت "خزاعة" على ولاية البيت نحو ثلاثمائة سنة، وقيل: خمسمائة سنة، والله أعلم، وكانوا سوس فى ولايتهم، وذلك لأن فى زمانهم كان أول عبادة الأوثان بالحجاز، وذلك بسبب رئيسهم عمرو بن لحى لعنه الله، فإنه أول من دعاهم إلى ذلك وكان ذا مال جزيل جدا.
يقال: إنه فقأ أعين عشرين بعيرا وذلك عبارة عن أنه ملك عشرين ألف بعير، وكان من عادة العرب أن من ملك ألف بعير فقأ عين واحد منها، لأنه يدفع بذلك العين عنها.
وممن ذكر ذلك الأزرقى، وذكر السهيلى: أنه ربما ذبح أيام الحجيج عشرة آلاف بدنة، وكسى عشرة آلاف حلة، فى كل سنة يطعم العرب، ويحيس لهم الحيس بالسمن والعسل، ويلت لهم السويق.
قالوا: وكان قوله وفعله فيهم كالشرع المتبع لشرفه فيهم، ومحلته عندهم، وكرمه عليهم.
قال ابن هشام: حدثنى بعض أهل العلم: أن عمرو بن لحى خرج من مكة إلى الشام فى بعض أموره، فلما قدم مآب من أرض البلقاء، وبها يومئذ العماليق، وهم ولد عملاق، ويقال: ولد عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح، رآهم يعبدون الأصنام، فقال لهم: ما هذه الأصنام التى أراكم تعبدون؟
قالوا له: هذه أصنام نعبدها فنستمطرها فتمطرنا، ونستنصرها فتنصرنا، فقال لهم: ألا تعطونى منها صنما فأسير به إلى أرض العرب فيعبدونه؟ فأعطوه صنما يقال له: هبل، فقدم به مكة فنصبه، وأمر الناس بعبادته وتعظيمه.
قال ابن إسحاق: ويزعمون أن أول ما كانت عبادة الحجارة فى بنى إسماعيل عليه السلام، أنه كان لا يظعن من مكة ظاعن منهم حين ضاقت عليهم، والتمسوا الفسح فى البلاد إلا حمل معه حجرا من حجارة الحرم تعظيما للحرم، فحيث ما نزلوا وضعوه فطافوا به كطوافهم بالكعبة، حتى سلخ ذلك بهم إلى أن كانوا يعبدون ما استحسنوا من الحجارة، وأعجبهم حتى خلفت الخلوف، ونسوا ما كانوا عليه.
وفى الصحيح عن أبى رجاء العطاردى قال: كنا فى الجاهلية إذا لم نجد حجرا جمعنا حثية من التراب، وجئنا بالشاة فحلبناها عليه ثم طفنا بها.
قال ابن إسحاق: واستبدلوا بدين إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام غيره، فعبدوا الأوثان وصاروا إلى ما كانت عليه الأمم قبلهم من الضلالات، وفيهم على ذلك بقايا من عهد إبراهيم عليه السلام يتمسكون بها من تعظيم البيت، والطواف به، والحج والعمرة والوقوف على عرفات والمزدلفة، وهدى البدن والإهلال بالحج والعمرة، مع إدخالهم فيه ما ليس منه.
فكانت كنانة وقريش إذا هلوا قالوا: لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك. فيوحدونه بالتلبية ثم يدخلون معه أصنامهم، ويجعلون ملكها بيده. يقول الله تعالى لمحمد ﷺ: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف: 106] أى: ما يوحدوننى لمعرفة حقى إلا جعلوا معى شريكا من خلقى.
وقد ذكر السهيلى وغيره: أن أول من لبى هذه التلبية عمرو بن لحى، وأن إبليس تبدى له فى صورة شيخ فجعل يلقنه ذلك فيسمع منه، ويقول كما يقول، واتبعه العرب فى ذلك.
وثبت فى الصحيح أن رسول الله ﷺ كان إذا سمعهم يقولون: لبيك لا شريك لك، يقول: "قدِ قدِ".
أى: حسب حسب.
وقد قال البخاري: ثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا يحيى بن آدم، عن إسرائيل عن أبى حفص، عن أبى هريرة، عن النبى ﷺ قال:
" إن أول من سيب السوائب وعبد الأصنام أبو خزاعة عمرو بن عامر وإنى رأيته يجر أمعاءه فى النار ".
تفرد به أحمد من هذا الوجه.
وهذا يقتضى أن عمرو بن لحى هو أبو خزاعة الذى تنسب إليه القبيلة بكمالها، كما زعمه بعضهم من أهل النسب، فيما حكاه ابن إسحاق وغيره، ولو تركنا مجرد هذا لكان ظاهرا فى ذلك بل كالنص، ولكن قد جاء ما يخالفه من بعض الوجوه.
فقال البخارى، وقال أبو اليمان: أخبرنا شعيب، عن الزهرى قال: سمعت سعيد بن المسيب قال: البحيرة: التى يمنع درها للطواغيت فلا يحلبها أحد من الناس، والسائبة: التى كانوا يسيبونها لآلهتهم لا يحمل عليها شيء.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة