طوال عقود، ومع تراكم من الفساد والمخالفات المنهجية، انتهى الأمر إلى أن تصبح مخالفات البناء جزءا من مشهد مستمر، والاعتداء على الشوارع والأرصفة بما انتهى إلى حالة من التشوه، وكانت المطالب الدائمة مواجهة المخالفات ووقفها، وفرملة الاعتداء الوحشى على الأراضى الزراعية.
وبدا الأمر أحيانا فوق إمكانات الدولة، وظل كثير من المصريين المسافرين للخارج يمتدحون الحسم والقانون الواضح لتنظيم البناء، ومواجهة أى خروج على قواعد البناء والتنظيم أو حتى الوان المبانى، ويطالبون بالحسم والتطبيق نفسه، مع بسبسة ومصمصة تعنى استحالة وقف المخالفات أو مواجهة الفساد، لكن نفس هؤلاء عند تطبيق القانون يبدأون فى الاعتراض، الدولة إذا بدأت تطبيق القانون تبدأ حالة من المظلوميات والشكاوى فى مواجهة التطبيق.
هناك تيار واسع استفاد ولايزال من الفساد والمخالفات فى المدن والقرى، وهؤلاء أول من يبدأ مواجهة التطبيق الحاسم للقانون بالمزايدة والشائعات، ويعتبرون إزالة المخالفات ظلما ولا يرون أن المخالفة والاعتداء على أراضى الدولة ظلما.
طوال عقود، كانت فكرة بناء مسجد أسفل العقارات المخالفة قد طرأت فى ذهن كبار النصابين والفاسدين، بمعاونة شياطين الإدارات الهندسية، وإذا تمت إزالة مسجد مبنى على أراضى الدولة، يتحول إلى شائعات بأنها عملية هدم مساجد، مع العلم أن بناء أى مبنى على أراضى الدولة عدوان على القانون وحقوق الناس، يستحق الإزالة من دون نقاش.
وليست المرة الأولى التى يتحدث فيها الرئيس عبدالفتاح السيسى عن خطر المخالفات والبناء على الأراضى الزراعية وأراضى الدولة، باعتبارها قضية مصيرية لا تحتمل الهزل،
ولم يتوقف عن دعوة المحافظين إلى تطبيق القانون ومواجهة المخالفات والتعديات، وكانت آخر مناسبة أثناء افتتاح مشروعات بالإسكندرية، حيث أكد على خطورة هذا الملف وما يشكله من خطر لا يقل أهمية عن قضية سد النهضة.
وقال: «إن الأمر لو استدعى هخلى الجيش ينزل قرى مصر، ولدينا علم وتكنولوجيا تمكننا من رؤية مصر من 10 سنوات بالمللى».
والواقع أن بعض محترفى المزايدة تركوا كالعادة القضية الرئيسية، وهى أن الدولة جادة فى إزالة ومواجهة المخالفات، واستعادة سلطة القانون والمدن والقرى والشوارع، تركوا الموضوع الأساسى وحاولوا نقله إلى جدل عقيم وخلط فارغ انتهى تأثيره، والواقع أيضا أن الدولة لم تتخذ أى إجراء مفاجئ، بل إن الأمر طوال سنوات وفى كل مناسبة يتحدث الرئيس عن المخالفات، وأن يتحرك المحافظون ورؤساء المدن لإزالتها، وهو ملف تحول إلى مجال للمزايدة.
والحقيقة أن الخلط لا يأتى فقط من قنوات الشائعات، ولكنه من أباطرة المخالفات وكبار المعتدين على الأراضى وصناع المخالفات، ممن يعرفون أنهم خاسرون مع إزالة المخالفات، وبالتالى ينضمون إلى أى مزايدة، ويبقى الغريب هو انضمام خبراء ونشطاء، لولا الحاجة إلى قطعان مزايدة، تحاول اختراع خلاف أو صراع بين المواطنين والدولة.
الأزمة الحقيقية بين المخالفين واللصوص من جهة، والدولة والمواطنين من جهة أخرى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة