كان وليد عاصى يعمل فى مطعم للبيتزا فى بيروت مساء أمس الثلاثاء، عندما طرحته أرضا موجة عنيفة نجمت بفعل الانفجار الهائل. اهتزت الأرض تحت قدميه ورأى بعينيه وميضا أبيض اللون قبل أن ينهار السقف.
وقال عاصى لرويترز فى منطقة بوسط العاصمة اللبنانية، "لا نستطيع أن نصدق أننا خرجنا أحياء" مضيفا "كان الناس ينزفون الدم، راقدين على الأرض، ويركضون فى الشوارع... كان كابوسا".
ووقف طاقم العاملين فى ذهول قرب المطعم صباح اليوم، بعد الانفجار الضخم فى مستودع على بعد بضعة كيلومترات بميناء بيروت، الذى أنحى المحققون باللوم فيه على الإهمال.
وقال عاصى إنه بمجرد أن هدأت الصدمة، جاء الغضب، وأضاف "لماذا يجب أن يعانى الأبرياء بهذه الطريقة بسبب قواعد لا تساوى شيئا؟ هل حياتنا رخيصة عندهم إلى هذا الحد؟"
واستيقظ السكان فى بيروت اليوم، الأربعاء، على عاصمة يعشش فيها الخراب، ونقب عمال الإنقاذ وسط الأنقاض بحثا عن ناجين فى مدينة تئن بالفعل تحت وطأة الانهيار المالى وتفشى فيروس كورونا.
أسفر الانفجار عن مقتل ما لا يقل عن 135 شخصا وإصابة 5000 وتشريد ما يصل إلى 250 ألفا من منازلهم بعد أن مزقت موجات الصدمة الأبواب وحطمت النوافذ على بعد أميال من موقع الانفجار.
ومن المتوقع زيادة أعداد القتلى فى الانفجار الذى قال المسؤولون إن السبب فيه مخزون ضخم من المواد شديدة الانفجار تم تخزينها لسنوات فى ظروف وأوضاع غير آمنة بالميناء.
وبالنسبة للكثير من اللبنانيين، يمثل الانفجار أحدث ضربة ينحون باللائمة فيها على زمرة النخب السياسية الطائفية التى تحكم البلاد منذ عقود.
وتعهدت الحكومة بمحاسبة المسؤولين عن الانفجار، لكن بالنسبة للعمال والمقيمين الذين يجرفون الحطام فى حى الجميزة الشهير بحياة الليل تتحلق حولهم سحب الغبار فى شكل دوائر، بدا ذلك وعدا آخر من الوعود الفارغة التى سئموا منها.
ويحتج آلاف اللبنانيين منذ أكتوبر تشرين الأول على الهدر والفساد الذى دفع بالبلاد إلى الخراب المالي. وانهارت العملة المحلية منذ ذلك الحين، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار وزيادة الفقر.
"يبدو أن الحكام يريدون موتنا"
وقال رونى أبو سعد أمام واجهة متجره لبيع الشطائر "ما الذى يمكن أن يحدث لنا غير الموت؟ كأنهم يريدوننا أن نموت". وتوفى أحد موظفيه تحت الحطام فى الداخل، وأضاف "هذه الدولة تبدو الآن مثل حكامها، القمامة، والأنقاض التى فى الشوارع، إنها تبدو مثلهم .. لو كان لدى أى منهم بقية من وعي، لرحلوا".
وحوله تناثرت شظايا الزجاج وقطع المعدن الملتوى فى الشارع. وتحطم سقف محطة وقود كبيرة على مضخاتها. وانهارت جميع شرفات مبنى مرتفع.
وفى أحد الأزقة، سقطت لوحات الإعلانات وفروع الأشجار وحطمت صفا من السيارات، وفى زقاق آخر، كان رجل يسير جيئة وذهابا على الرصيف وهو يتمتم "هذه حرب".
ولم ينم أبو سعد، الذى تحطم أثاث منزله الواقع قرب متجر الشطائر، طوال الليل. وقال "ما زلنا تحت تأثير صدمة، لا أحد فينا يدرك حجم الدمار".