ما زال العقل يداعبه، ويطرق له كل الأبواب المغلقة التى أعلن إفلاسه فى مجرد خاطرة، تتطاير على استحياء لترمى بذوراً؛ تشتاق للإنبات بأرض قاحلة فلا تجد قطرة ندى تتلامس فيها بهجة الحياة، ونظرة الأمل، وتأتى دقات قلبه تحذره من تلك الخاطرة وتُخرج له من سراديب الذكريات كل ما يُعكر صفوه؛ ويضع له كل أشواك الطريق الملتهبة حتى تقبع نفسه، شاكية قدرها المحتوم وما زال العقل يداعبه ليلتمس حلاً لحاضره المؤلم، ومعاناته الدائمة فأينما حل لا يجد حل، وكلما أبدع طريقة للخلاص لا يجد الخلاص؛ فتتشابك الأزمات ويلفظ العقل أنفاسه الأخيرة فيما تبقى له من روح، ويرتمى فى أى خطة واهماً لنفسه وساخراً من كل شئ لعلها تكون الملجأ الأخير؛ لكن هيهات هيهات ! لافتقادها كل مقومات طوق النجاة لغريق فى تيارات الزمان المتلاحقة، لا يلبث أن يتمسك بشىء حتى يختفى وراء جدار من الصمت الأبدى، لا يعلم من أو ما وراءه لتلفت عيناه إلى الأرض لتسكن فيها وتلتحف السماء إلى الأبد .
وما زال العقل يداعبه لينهض من كبوته، ويتطهر من محنته التى ستودى به إلى العدم، وتخلُف وراءه طرق معبدة من النبرات البائسة التى تكون معدة لكل إنتكاسة عابرة ؛ لأى مخلوق لتتعاظم أمامه فيراها جبلاً، يزرع أوتاده العظيمة فى أعماق نفسه الشاردة ، ونظراته الحائرة فى كل اتجاه حتى تبتلعه تلك الطرق الإبليسية لتكون ملجأ ومأوى كل نفس معطوبة وجسد منهك ، أكلت منه الأيام ما أكلت فأدبر وجه الحياة يلتمس الفناء ، ويلهث إلى الضياع الكامل فلا شىء يستحق البكاء عليه ، وما زال العقل يداعبه ويستفز فيه ذاته ، ووازع الوجود وإحساسه الدفين بقيمته فهو أكرم المخلوقات ومحل معجزات الخالق ، ومستودع التجليات العظيمة ليندهش العقل نفسه من تلك الإرادة الفولاذية ، التى إنطلقت من موطن مجهول داخل نفسه لتخترق كل الجدران؛ وتفتح كل الأبواب عنوة وتُفزع هواجس الخمول ووساوس العجز القابعة، فى كل صوب لتصاب بالسكوت المفاجئ والموت الإكلينيكى؛ فلا تجد النفس سوى ذلك الوحش الإنسانى المولود فى أرض الخير والنماء، ولا يصمد أمامه نابتة من أى نوع حتى تُعلن إستسلامها التام والتبعية الكاملة له ، فيما يتجه ويرمى وما زال العقل يداعبه.
لمعت خيوط النور والأمل فى عينيه لتتنفس زهرة الحياة، ويُسدل الستار على مواطن الألم، وتشفى جراح النفس وتتبارى فى مسلك الحب مذهباً وملة، لكل ما تقع عليه العين وتلاحظ ؛ وكأنما ترسل إليه إشارات سرية تغير معادلة التفاعل بينهم، فيعمل الحافز وهو الشغف للإيصال إلى الغاية المنشودة، بأقصر الطرق خاصة أن العين أصبحت ترى عن بعد هائل، وارتفاع مخيف داخل محيط ممتد فى كل إتجاه وكلما أثمرت معادلة ؛ إشتاق إلى معادلة أخرى تبدأ فى التفاعل فوراً بمجرد أن تنحرف عينه إلى شىء، ليعمل الشغف عمله ببرمجة عقله لكل عوامل النجاح فى تلك المهمة الخاصة ؛ حتى يلتهمها بكل قوته فما تلبث أن تكون بجوار أخواتها من إنجازاته الكبرى ، ولا ريب فى ذلك فكلمة السر فى عقل يداعب وإنطلاق مارد الإرادة مسخر لخدمته، بمجرد أن تشير إلى شئ بعينك حتى يسكن فى خيمة الحب ، وتؤمن أنه لك فتجده بين يديك بأقل مجهود ممكن؛ وبعد إستيفاء كل مقوماته بشغف خاص به ومن ثم تقبض يديك على أول الخيط، للوصول إلى كل ما ترنو إليه وترى أنه يدعمك ؛ لا سيما بين دقات قلب معدودة وأنفاس محدودة يبزغ الحق المستحق والواجب المستوجب، لتحلق فى أجواء الأمل غير قاصد أمراً معيناً ونجاحاً هيناً؛ وطموحاً متواضعاً بل قاصداً طموح نسر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة