كان الوقت صباح 11 سبتمبر، مثل هذا اليوم، عام 1969، حين توجه الدكتور الصاوى حبيب الطبيب الخاص لجمال عبد الناصر إلى منزل الرئيس فى منشية البكرى بالقاهرة، لإجراء الفحص الطبى عليه، واكتشف «الطبيب» إصابة الرئيس بالأزمة القلبية الأولى التى تطورت فيما بعد لتؤدى إلى وفاته يوم 28 سبتمبر 1970.
يتذكر «حبيب»، فى كتابه «مذكرات طبيب عبد الناصر»، أن الرئيس أخبره أنه استيقظ فى الصباح الباكر وهو يشعر بضيق فى التنفس لم يستمر طويلا، وعندما وقع الكشف عليه سمع دقة ثالثة للقلب إلى جانب الدقة الأولى والدقة الثانية الموجودتين بصفة طبيعية.. يؤكد حبيب: «وجود مثل هذا الصوت بعد سن الشباب يكون دلالة على وجود قصور فى أداء الجانب الأيسر من القلب».. يذكر حبيب أنه لما أطال وضع السماعة الطبية على الصدر لفت ذلك نظر عبد الناصر، ونظرا للدلالة التى يشير إليها هذا الصوت كان لابد من عمل الأبحاث الطبية فى الحال وهى رسم القلب والتحاليل المعملية.
يعترف «حبيب» بأنه كان فى موقف صعب من ناحية المرض والمريض والظرف الزمنى لمصر، ويوضح الأسباب، قائلا: «من حيث المريض فإننى أمام مريض ليس كأى مريض فهو رئيس الجمهورية الذى يتردد اسمه يوميا فى الشرق والغرب، ولابد من الوصول للتشخيص السليم.. ومن حيث المرض فلم يكن هناك ألم بالصدر وهو أحد أركان الثالوث الذى يتم بناء عليه تشخيص انسداد الشريان التاجى وهو الألم ورسم القلب وارتفاع مستوى بعض الأنزيمات الخاصة بالقلب فى الدم، كما أن وجود الصوت الثالث وحده لا يكفى لأن سماعه فى صغار السن طبيعى، ووجوده فى الكبار قد يكون إنذارا بالإجهاد أو وجود أحداث أكثر خطورة».
أما الظرف الزمنى فيوضحه حبيب قائلا: «كنا فى حالة حرب، وحدوث نكسة صحية للرئيس قد يؤدى إلى انخفاض الروح المعنوية للمصريين جميعا والتى ارتفعت بصورة واضحة بسبب حرب الاستنزاف»، غير أن «حبيب» وكذلك الدكتور منصور فايز طبيب عبدالناصر أيضا فى مذكراته «مشوارى مع عبدالناصر»، يؤكدان أن حادثة مهمة وقعت يوم 9 سبتمبر 1969، كان لها علاقة مباشرة بشكوى عبدالناصر من ضيق التنفس، ففى «9 سبتمبر» ردت إسرائيل على عملية فدائية سابقة للصاعقة المصرية، بأن أنزلت تسع دبابات برمائية على شاطئ خليج السويس فى أقصى الجنوب قرب الزعفرانة، وهاجمت نقطة خفر السواحل، وقتلت خمسة جنود ودمرت عددا من السيارات المدنية المارة بالمنطقة، وقتلت بعض المدنيين المصريين، وهى العملية التى أقيل بسببها رئيس الأركان الفريق أحمد إسماعيل، وأعاده الرئيس السادات عام 1972 ليكون وزيرا للحربية أثناء حرب أكتوبر 1973.
يتذكر «حبيب» أنه قابل عبدالناصر فى صباح اليوم التالى «10 سبتمبر»، وكان الانفعال والتأثر واضحين على وجهه.. يؤكد: «عندما سألته عن السبب ظهرت الدهشة عليه، فقد كان يجيد السيطرة على انفعالاته فلا تظهر عليه»، ويذكر منصور فايز: «تأثر عبدالناصر بهذا الحادث تأثرا بالغا خاصة بالنظر إلى ضحاياه.. وقال لى فى صباح اليوم التالى وصوته يقطر ألما: المدنيين ذنبهم إيه؟ ورجال خفر السواحل دول ناس فوق الخمسين، والمحارب الشريف لا يقوم بعمل بهذه الخسة».
يربط «منصور» بين هذه الحادثة وإصابة الرئيس بجلطة فى الشريان التاجى يوم 11 سبتمبر، ويؤكد أنه طلب منه ألا يتابع تنفيذ العمليات الفدائية من ساعة خروجها إلى وقوعها وعودة أبطالها حتى لا تتأثر حالته الصحية من كثرة الانفعالات، ويكفى أن يتم إبلاغه بنتائجها..يذكر «منصور»: «وافق على ذلك، لكنى فوجئت بعدها بأنه لم يستطع تنفيذ الاتفاق، وحين حاولت أن أتحدث معه فى الأمر لخطورته على حالته الصحية نتيجة الانفعال الشديد التفت إلى عاتبا، وقال: «يعنى عايزنى أعرف أخبار مصر من الجرايد».
يعود «حبيب» إلى ذكرياته فور اكتشافه للصوت الثالث فى دقات قلب الرئيس قائلا: «لم يكن هناك مجال للتردد، فلن أغادر الحجرة قبل عمل رسم قلب، وكان قد مضى وقت طويل منذ آخر رسم قلب تم عمله وكان طبيعيا».. يضيف: «فى الواقع كان هناك سبب يجعل طلب عمل رسم القلب له ما يبرره فى ذلك الوقت، كان ميعاد الزيارة المؤجلة إلى روسيا لتكرار العلاج بالمياه الطبيعية بعد خمسة أيام، وكان من الطبيعى عمل جميع الأبحاث قبل السفر، ولذلك عندما طلبت منه أن أعمل له رسم القلب استعدادا للسفر وافق فى الحال، وفعلا وجدت دلائل جلطة الشريان التاجى فى الرسم».
فماذا حدث بعد ذلك؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة